عدد زوار المنتدى |
عدد زوار المنتدى
|
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى | |
|
| تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:37 pm | |
| تفسير القران العظيم للإمام الحافظ عماد الدين ، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشى الدمشقي
المتوفى سنة 774 ه
الجزء الأول الترجمة مع المقدمة والتفسير من سورة الفاتحة إلى آل عمران
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة تفسير ابن كثير بقلم الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ترجمة الحافظ ابن كثير اسمه ونسبه هو الشيخ الامام العالم الحافظ المفيد البارع ، عماد الدين ، أبو الفداء ، إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ذرع ( 1 ) القيسي ( 2 ) البصروي الاصل - نسبة لبصري الشام - الدمشقي الشافعي . ويذكر لنا ابن كثير في " البداية والنهاية " 14 / 33 في ترجمة والده أنه قرشي من بني " حصلة " وهم ينتسبون إلى الشرف وبايديهم نسب . وقد ساق الزركلي ( ت 1396 ه ) في حاشيته على ترجمة ابن كثير في كتابه " الاعلام " ( الطبعة الخامسة 1400 ه ) ( 3 ) خلافا حول اسمه فقال : ( في كتابه " البداية والنهاية " 14 / 184 ما نصه : كتبه إسماعيل بن كثير بن ضو القرشي الشافعي . وعليه حاشية للطابع : كذا بسائر الاصول . وفي " الدرر الكامنة " : اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القيسي - أو العبسي كما في نسخة أخرى منه - واعتمدنا فيما أثبتناه على نسخة التبيان - مخطوطة - لتميزها بالاتقان والوضوح . ورأيت - الكلام للزركلي - في ثبت النذرومي - مخطوط إجازة بخط ابن كثير في بيت من الشعر هذا نصه : أجزتهم ما قد سئلت بشرطة * وكاتبه إسماعيل بن كثير انتهى ما ذكره الزركلي وهذان النصان اللذان أوردهما الزركلي عن ابن كثير نفسه يصرح فيما باسمه أنه " إسماعيل بن كثير " خلافا لما هو مشهور " إسماعيل بن عمر بن كثير " هما من باب الانتساب للجد ، وقد كان هذا شائعا في عصره . وممن انتسب لجده أيضا في ذلك العصر الامام ابن عبد الهادي ( ت 744 ه ) والملقب أيضا بابن قدامة نسبة لجده الاعلى ، بينما اسمه على التحقيق كما أوردته المصادر ، محمد بن احمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة ( 4 ) . وقد ترجمن ابن كثير نفسه لوالده في " البداية والنهاية " 14 / 33 فذكر اسم والده : ( وفيها - 703 - توفي الوالد . وهو الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير . . . ) . * ( هامش ) * ( 1 ) الحسيني ، ذيل طبقات الحفاظ ص 57 . ( 2 ) ابن حجر ، الدرر الكامنة 1 / 373 . ( 3 ) الزركلي ، الاعلام 1 / 320 . ( 4 ) ابن عبد الهادي ، المحرر في الحديث 1 / 36 بتحقيقنا . ( * ) / صفحة 6 / مولده ونشاته اختلف المؤرخون في تحديد سنة ولادته على ثلاثة أقوال فقال الحسيني ( ت 765 ه ) في " ذيل طبقات الحفاظ " ص 57 : ( ولد سنة إحدى وسبعمائة ) . وقال الحافظ ابن حجر ( ت 852 ه ) في " الدرر الكامنة " 1 / 374 : ( ولد سنة سبعمائة أو بعدها بيسير ) . وقال السيوطي ( ت 911 ه ) في " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 361 : ( ولد سنة سبعمائة ) وتابعهم المتأخرون على هذا الخلاف ، ولسنا نستطيع الترجيح بين هذه الاقوال لعدم وجود قرائن ، لكننا نميل إلى أن ولادته كانت سنة ( 701 ) بسبب معاصرة الحسيني صاحب هذا القول لابن كثير ، ولتصريح ابن كثير نفسه في " البداية والنهاية " 14 / 34 أن عمره كان ثلاث سنين حين وفاة والده سنة ثلاث وسبعمائة . وقد ولد ابن كثير في " مجيدل القرية " من أعمال مدينة " بصرى " ( 1 ) إلى ناحية الشرق منها ، ويحدثنا عن مجيدل القرية ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون ، وكنت إذ ذاك صغيرا ابن ثلاث سنينن أو نحوها لا أدركه إلا كالحلم ، ثم تحولنا من بعه في سنة سبع وسبعمائة إلى دمشق صحبة كمال الدين عبد الوهاب ، وقد كان لنا شقيقا وبنا رفيقا شفوقا ، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين ، فاشتغلت على يديه في العلم ) . وفي دمشق نشأ يطلب العلم ويسمع الشيوخ ويحفظ المتون ، يقول الداودي ( ت 945 ه ) في " طبقات المفسرين " 1 / 112 : ( وسمع الكثير ، وأقبل على حفظ المتون ، ومعرفة الاسانيد والعلل ، والرجال والتاريخ حتى برع في ذلك وهو شاب ) ويقول ابن العماد ( ت 1089 ه ) في " شذرات الذهب " 6 / 231 : ( وحفظ " التنبيه " وعرضه سنة 718 ، وحفظ " مختصرا ابن الحاجب " ) . عائلته وقد حدثنا ابن كثير عن عائلته وأفراد أسرته في " البداية والنهاية " ( 3 ) 14 / 33 في حوادث سنة ( 703 ه ) قال وفيها توفي الوالد وهو الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير بن ضو بن كثير بن ضو بن ذرع القرشي من بني حصلة ، وهم ينتسبون إلى الشرف بأيديهم نسب ، وقف على بعضها شيخنا المزي فاعجبه ذلك وابتهج به ، فصار يكتب في نسبي بسب ذلك : القرشي ، من قرية يقال لها الشركوين غربي بصري ، بينها وبين أذرعات ، ولد بها في حدود سنة أربعين وستمائة ، واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى ، فقرأ البداية في مذهب أبي حنيفة ، وحفظ جمل الزجاجي ، وعني بالنحو والعربية واللغة ، وحفظ أشعار العرب حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي وقليل من الهجاء ، وقرر بمدارس بصرى بمنزل الناقة شمالي البلد حيث يزار ، وهو المبرك المشهور عند الناس والله أعلم بصحة ذلك ، ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقي بصرى * ( هامش ) * ( 1 ) الحسيني ، ذيل تذكرة الحفاظ ص 57 . ( 2 ) ابن كثير ، البداية والنهاية ( طبعة الكتب العلمية ) 14 / 33 . ( 3 ) المصدر نفسه . ( * ) / صفحة 7 / وتمذهب للشافعي ، وأخذ عن النواوي والشيخ تقي الدين الفزازي ، وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني ، فاقام بها نحوا من اثنتي عشرة سنة ، ثم تحول إلى الخطابة مجيدل القرية التي منها الوالدة ، فاقاما بها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة ، وكان يخطب جيدا ، وله مقول عند الناس ، ولكلامه وقع لديانته وفصاحته وحلاوته ، وكان يؤثر الاقامة في البلاد لما يرى فيها من الرفق وجود الحلال له ولعياله ، وقد ولد له عدة أولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها ، أكبرهم إسماعيل ثم يونس وإدريس ، ثم من الوالدة عبد الوهاب وعبد العزيز ومحمد وأخوات عدة ، ثم أنا أصغرهم ، وسميت باسم الاخ إسماعيل لانه كان قد قدم دمشق فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده وقرأ مقدمة في النحو ، وحفظ التنبيه وشرحه على العلامة تاج الدين الفزاري وحصل المنتخب في أصول الفقه ، قاله لي شيخنا ابن الزملكاني ، ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية فمكث أياما ومات ، فوجد الوالد عليه وجدا كثيرا ورثاه بأبيات كثيرة ، فلما ولدت له أنا بعد ذلك سماني باسمه ، فاكبر أولاده إسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل ، فرحم الله من سلف وختم بخير لمن بقي ) . شيوخه ذكرت لنا المصادر أسماء ( 16 ) شيخا من شيوخه وهم : برهان الدين الفزاري ( 1 ) والكمال ابن قاضي شهبة ( 2 ) وقد تفقه عليهما ، ثم صاهر الحافظ أبا الحجاج المزي ، ولازمه وقرأ عليه " تهذيب الكمال " وأخذ عنه ( 3 ) ، وسمع عليه أكثر تصانيفه ، وسمع ابن السويدي ( 4 ) ، والقاسم بن عساكر ( 5 ) ، وسمع من ابن الشحنة ( 6 ) ، وابن الزراد ( 7 ) واسحاق الامدي ( 8 ) ، وابن الرضي ( 9 ) وأجاز له من مصر : الدبوسي ( 10 ) والواني ( 11 ) والختني ( 12 ) وغيرهم ، وأخذ الكثير عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية ففتن بحبه وكانت له خصوصية به ، ومناضلة عنه ، واتباع له في كثير من آرائه ، وكان يفتي برايه في مسالة الطلاق وامتحن بسببه ( 13 ) . وقرأ الاصول على الاصفهاني ( 14 ) وسمع الحجار ( 15 ) والطبقة ، واعتبر الداودي ( 945 ه ) في " طبقات المفسرين " 1 / 112 الذهبي من جملة شيوخه فقال : ( وذكره شيخه في " المعجم المختص " ) . تلاميذه لم تذكر لنا المصادر سوى واحد من تلاميذه فقط هو شهاب الدين ابن حجي ، قال ابن العماد ( ت 1089 ه ) في " شذرات الذهب " 6 / 231 - 232 : ( وتلامذته كثيرة ، منهم ابن حجي وقال فيه - أي في شيخه ابن كثير - أحفظ من أدركناه لمتون الاحاديث وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها ، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك ، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه ) ( 16 ) لكننا نرجح أنه خلف * ( هامش ) * ( 1 ) الحسيني ، ذيل تذكرة الحفاظ ص 57 . ( 2 ) الداودي ، طبقات المفسرين 1 / 112 . ( 3 ، 4 ، 5 ) الحسيني ، المصدر السابق . ( 6 ، 7 ، 8 ، 9 ) ابن حجر ، الدرر الكامنة 1 / 374 . ( 10 ، 11 ، 12 ) المصدر نفسه . ( 13 ) ابن حجر ، المصدر نفسه ، والداودي ، طبقات المفسرين 1 / 112 . ( 14 ) الداودي ، طبقات المفسرين 1 / 112 . ( 15 ) السيوطي ، ذيل تذكرة الحفاظ ص 361 . ( 16 ) وذكره الداودي في طبقات المفسرين 1 / 112 . ( * ) / صفحة 8 / كثيرا من التلاميذ بسبب اشتغاله بالتدريس في المدارس ، قال الحسيني ( ت 765 ه ) في " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 58 : ( وولي مشيخة أم الصالح ، والتنكزية بعد الذهبي ) . وقال الداودي ( ت 945 ه ) في " طبقات المفسرين " 1 / 112 : ( وبعد موت السبكي - ولي - مشيخة دار الحديث الاشرفية ) . أخلاقه ومكانته العلمية قال الحسيني ( ت 765 ه ) في " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 58 : ( وأفتي ودرس : وناظر وبرع في الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر في الرجال والعلل . . . وذكره الذهبي في مسودة " طبقات الحفاظ " وقال في " المعجم المختص " : هو فقيه متقن ، ومحدث محقق ، ومفسر نقاد ) ، وقال الحافظ ابن حجر ( ت 852 ه ) في " الدرر الكامنة " 1 / 374 : ( واشتغل بالحديث مطالعة في متونه ورجاله ، وكان كثير الاستحضار ، حسن المفاكهة سارت تصانيفه في البلاد في حياته ، وانتفع بها الناس بعد وفاته ، ولم يكن على طريق المحدثين في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم ، وإنما هو من محدثي الفقهاء ) وقد دفع السيوطي عن ابن كثير هذا الاتهام فقال في " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 362 ( قلت : العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث وسقيمه ، وعلله واختلاف طرقه ، ورجاله جرحا وتعديلا ، وأما العالي والنازل ونحو ذلك فهو من الفضلات ، لا من الاصول المهمة ) . ولسنا نوافق السيوطي في اعتبار العالي والنازل من الفضلات خاصة في عصر ابن كثير الذي استمرت الرواية بالاسناد إليه ، والذي حرص علماؤه على رواية كتب الائمة المحدثين عن شيوخهم بالاسانيد العالية ، وقد أورد الحسيني ( 765 ه ) في " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 59 حديثا مسندا من طريق الحافظ ابن كثير : ( أخبرنا الحافظ عماد الدين ابن كثير بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب - وقد أجاز لي أيضا أحمد المذكور - قال : أخبرنا أبو المنجا بن اللتي قال : أخبرنا أبو الوقت الصوفي ، قال : أخبرنا محمد الفارسي ، قال : أخبرنا أبو محمد بن أبي سريج ، قال : أخبرنا أبو القاسم البغوي ، قال : أخبرنا أبو الجهم الباهلي قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل أحد ممن بايع تحت الشجرة النار " رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن قتيبة ، عن الليث ) فهذا إسناد يتضمن ( 10 ) رجال خلال ثمانية قرون ، وهو في غاية العلو . وذكره الداودي ( ت 945 ه ) في " طبقات المفسرين " 1 / 112 فقال : ( كان قدوة العلماء والحفاظ ، وعمدة أهل المعاني والالفاظ . . وقال تلميذه الحافظ شهاب الدين بن حجي : كان أحفظ من أدركناه لمتون الاحاديث ، وأعرفهم بتخريجها ورجالها وصحيحها وسقيمها ، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك ، وكان يستحضر شيئا كثيرا من الفقه والتاريخ ، قليل النيسان وكان فقيها جيد الفهم ، صحيح الذهن ، ويحفظ " التنبيه " إلى آخر وقت ، ويشارك في العربية مشاركة جيدة ، وينظم الشعر ، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه ) . ويقول : ( وولي مشيخة أم الصالح بعد موت الذهبي ، وبعد موت السبكي مشيخة دار الحديث الاشرفية مدة يسيرة ، ثم أخذت منه ) وذكر ابن العماد ( ت 1089 ه ) في " شذرات الذهب " 6 / 231 . ( وقال ابن حبيب فيه : إمام روي التسبيح والتهليل ، وزعيم أرباب التأويل ، سمع وجمع وصنف ، وأطرب الاسماع بالفتوى وشنف ، وحدث وأفاد ، وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد ، واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير ، وهو القائل : / صفحة 9 / تمر بنا الايام تتري وإنما * نساق إلى الاجال والعين تنظر فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى * ولا زائل هذا المشيب المكدر وقال الشوكاني ( ت 1250 ه ) في " البدر الطالع " 1 / 153 : ( وبرع في الفقه والتفسير والنحو ، وأمعن النظر في الرجال والعلل ، وأفتى ودرس ) . مؤلفاته ألف الحافظ ابن كثير كتبا شتى في علوم القران ، والحديث ، والتوحيد ، والفقه ، والسيرة ، والتراجم ، والتاريخ . قال الحسيني ( ت 765 ه ) في " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 58 : ( وله تصانيف مفيدة ) وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه ) في " الدرر الكامنة " 1 / 374 : ( سارت تصانيفه في البلاد في حياته ، وانتفع بها الناس بعد وفاته ) . وقد وصلنا من كتبه أسماء ( 22 ) كتابا ، طبع منها ( 8 ) كتب فقط ، وسنعرض لما وصلنا من مؤلفاته ، حسب ترتيب موضوعاتها : 1 - تفسير القران العظيم : وهو الكتاب الذي بين أيدينا ، وقد أفردنا فصلا خاصا للكلام عليه آخر هذه المقدمة . 2 - فضائل القران وتاريخ جمعه وكتابته ولغاته ( 1 ) : انفرد بذكره بروكلمان في " تاريخ الادب " الذيل 2 / 49 . 3 - جامع المسانيد والسنن الهادي إلى أقوم سنن ( 2 ) . جمع فيه بين مسند الامام أحمد ، والبزاز ، وأبي يعلي ، وابن أبي شيبة إلى الكتب الستة . ويسميه البعض : " كتاب الهدي والسنن في أحاديث المسانيد والسنن " . قال البغدادي في " هدية العارفين " 1 / 215 : ( في ثمانية أجزاء ) . ويوجد منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية . 4 - الاحكام الكبرى في الحديث ( 3 ) . قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في " الدرر الكامنة " 1 / 374 : ( وشرع في كتاب كبير في الاحكام لم يكمل ) وقال الداودي في " طبقات المفسرين " 1 / 112 : ( وشروع في أحكام كثيرة حافلة كتب منها مجلدات إلى الحج ) . 5 - م الصغرى في الحديث ( 4 ) . ويسميه ابن حجر " تخريج أحاديث أدلة التنبيه " ، ويسميه السيوطي " أدلة التنبيه " ويسميه الداودي " الاحكام على أبواب التنبيه " . * ( هامش ) * ( 1 ) طبع لاول مرة بمطبعة المنار بالقاهرة عام 1347 ه في ( 207 ) صفحات وطبع مع تفسير ابن كثير وتفسير معالم التنزيل للبغوي بآخرهما بمطبعة المنار في القاهرة عام ( 1347 ه ) ، وتقوم بتصويره ونشره حاليا دار المعرفة في بيروت . ( 2 ) ذكره الحسيني في ذيل تذكرة الحفاظ ص 58 ، وابن العماد في شذرات الذهب 6 / 231 ، والشوكاني في البدر الطالع 1 / 153 ، وحاجي خليفة في كشف الظنون ص 573 ، وبروكلمان في تاريخ الادب العربي ( بالاصل الالماني ) الذيل 2 / 49 . ( 3 ) ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة 1 / 374 ، والسيوطي في ذيل تذكرة الحافظ ص 361 ، والداودي في طبقات المفسرين 1 / 112 . وابن العماد في شذرات الذهب 6 / 231 . ( 4 ) ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة 1 / 374 ، والسيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ ص 361 ، والداودي في طبقات المفسرين 1 / 112 . ( * ) / صفحة 10 / 6 - شرح صحيح البخاري ( 1 ) . قال ابن حجر : ( وشرح في شرح البخاري ) . 7 - مسند الشيخين . انفرد بذكره السيوطي في " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 361 . 8 - تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب الاصلي ( 2 ) . قال ابن حجر : ( وخرج أحاديث مختصر ابن الحاجب ) . 9 - ترتيب مسند أحمد على الحروف ، انفرد بذكره السيوطي في " ذيل تذكره الحفاظ " ص 361 فقال : ( ورتب مسند أحمد على الحروف ، وضمن إليه زوائد الطبراني وأبي يعلي ) . 10 - أحاديث التوحيد والرد على الشرك . انفرد بذكره بروكلمان في ذيل " تاريخ الادب العربي " بالالمانية 2 / 49 ، وذكر أنه طبع مع كتاب " جامع البيان " في دهلي عام 1297 ه . 11 - مختصر علوم الحديث لابن الصلاح : قال ابن حجر في " الدرر الكامنة " 1 / 374 : ( وقد اختصر مع ذلك كتاب ابن الصلاح ، وله فيه فوائد ) وذكره حاجي خليفة في " كشف الظنون " ص 1161 - 1162 فقال تحت عنوان علوم الحديث لابن الصلاح : ( واختصره أيضا عماد الدين . . . وأضاف إلى ذلك الفوائد الملتقطة من " المدخل إلى كتاب السنن " كلاهما للبيهقي ) ، وذكره بروكلمان في ذيل " تاريخ الادب " 2 / 49 ، وقد طبع بتحقيق العلامة أحمد شاكر وسماه " الباعث الحثيث شرح مختصر علوم الحديث " وهو غير " الباعث الحثيث " التالي ذكره . 12 - الباعث الحثيث على معرفة علوم الحديث : ذكره بهذا الاسم بروكلمان في ذيل " تاريخ الادب " 2 / 49 وأشار لوجود مخطوطتان في الهند : واحدة في آصاف والثانية في رامپور ، وذكره السيوطي أيضا في " ذيل تذكرة الحفاظ " ص 361 فقال : ( وله . . . وعلوم الحديث ) . 13 - الاجتهاد في طلب الجهاد : ذكره حاجي خليفة في " كشف الظنون " ص 10 وقال : ( رسالة كتبها للامير منجك لما حاصر الفرنج قلعة إياس ) وذكره البغدادي في هدية العارفين 1 / 215 باسم ( رسالة كتبها للامير منجك لما حاصر الفرنج قلعة إياس ) وذكره الزركلي في " الاعلام " 1 / 320 باسم " رسالة في الجهاد " ، ونص بروكلمان في ذيل " تاريخ الادب " 2 / 49 على وجود نسخ مخطوطة له في آصاف بالهند ، ودار الكتب بالقاهرة . وهو مطبوع ( 3 ) . 14 - شرح التنبيه : انفرد بذكره الداودي في " طبقات المفسرين " 1 / 112 فقال : ( وشرح قطعة كبيرة من " التنبيه " ) . 15 - البلغة والاقناع في حل شبهة مسألة السماع : انفرد بذكره حاجي خليفة في " كشف الظنون " ص 1001 ، وهو يتعلق بمسألة سماع الاغاني والموسيقي . 16 - الفصول في اختصار سيرة الرسول : ذكره الداودي في " طبقات المفسرين " 1 / 112 فقال : ( وله * ( هامش ) * ( 1 ) ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة 1 / 374 ، والداودي في طبقات المفسرين 1 / 112 وابن العماد في شذرات الذهب 6 / 231 . وحاجي خليفة في كشف الظنون ص 550 . ( 2 ) ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة 1 / 374 ، والسيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ ص 361 ، والداودي في طبقات المفسرين 1 / 112 . ( 3 ) طبع الاول مرة عام 1396 ه في المكتبة السلفية بالقاهرة ، وأعيد طبعه بتحقيق د . عبد الله عسيران في مؤسسة الرسالة ببيروت ودار اللواء بالرياض عام 1402 ه . ( * ) / صفحة 11 / سيرة صغيرة ) وكذا قال ابن العماد في " شذرات الذهب " 6 / 231 ، وذكره البغدادي في " إيضاح المكنون " 2 / 194 وهو مطبوع ( 1 ) . 17 - التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل ( 2 ) : قال الحسيني ( جمع بين كتاب " التهذيب " و " الميزان " ، وهو خمس مجلدات ) ، وقال الداودي : ( واختصر " تهذيب الكمال " وأضاف ما تأخر في " الميزان " سماه التكميل ) ، وسماه حاجي خليفة " التكملة في أسماء الثقات والضعفاء " . 18 - طبقات الفقهاء الشافعيين ( 3 ) : قال ابن حجر ( وعمل " طبقات الشافعية " ) ويسميه حاجي خليفة : " ت : " طبقات عماد الدين " ، ويسميه البغدادي في " هدية العارفين " : " طبقات العلماء " ويسميه الزركلي : طبقات الفقهاء الشافعيين " ، مخطوط . 19 - الواضح النفيس في مناقب الامام محمد بن إدريس ( 4 ) . ويمسيه الداودي : " مناقب الامام الشافعي " . 20 - البداية والنهاية ( 5 ) في التاريخ . قال الحسيني في " ذيل الحفاظ " ص 58 : ( وله . . . وكتاب " البداية والنهاية " في أربعة وخمسين جزئا " . وقال ابن حجر في " الدرر الكامنة " 1 / 374 : ( وجمع التاريخ الذي سماه " البداية والنهاية " ) وهو مطبوع ، وصل فيه إلى حوادث سنة ( 767 ه ) ، وهي القسم المسمى بالبداية . 21 - نهاية البداية والنهاية وهو تتمة تاريخه ، ويتضمن الكلام على الفتن والملاحم في آخر الزمان ( 6 ) . 22 - الكواكب الدراري في التاريخ ، انفرد بذكره حاجي خليفة في " كشف الظنون " ص 1521 وقال : ( انتخبه من تاريخه الكبير ) . وفاته أجمعت المصادر على أنه توفي سنة 774 ه ، ولم يذكر فيما بينهم خلاف في ذلك ، يقول الداودي * ( هامش ) * ( 1 ) طبع الاول مرة عام 1357 ه بمطبعة العلوم بالقاهرة في ( 171 ) صفحة ، وأعيد طبعه بتحقيق محمد عيد الخطراوي ومحيي الدين مستو بدار القلم في دمشق عام 1400 ه ، وبدار اللواء في الرياض عام 1402 ه . ( 2 ) ذكره الحسيني في ذيل تذكرة الحفاظ ص 58 : والداودي في طبقات المفسرين 1 / 112 ، وابن العماد في شذرات الذهب 6 / 231 ، والشوكاني في البدر الطالع 1 / 153 وحاجي خليفة في كشف الظنون ص 471 . ( 3 ) ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة 1 / 374 ، والسيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ ص 361 ، والداودي في طبقات الحفاظ 1 / 112 ، وابن العماد في شذرات الذهب 6 / 231 ، وحاجي خليفة في كشف الظنون ص 1106 ، والزركلي في الاعلام 1 / 320 ونص على وجود نسخة مخطوطة منه في شستربتي رقم ( 3390 ) كتبت في حياته سنة ( 749 ه ) . وقد قام مؤخرا بتحقيقه عبد الحفيظ منصور الباحث في معهد المخطوطات العربية كما حقق ذيله المسمى ب " ذيل طبقات الشافعية " لعفيف الدين المطري ( نشرة أخبار التراث الصادرة بمعهد المخطوطات 4 / 20 ) . ( 4 ) ذكره الداودي في طبقات المفسرين 1 / 112 ، وحاجي خليفة في كشف الظنون ص 1840 ، والبغدادي في هدية العارفين 1 / 215 . ( 5 ) نص بروكلمان على مخطوطاته في ذيل تاريخ الادب 2 / 48 وقد طبع الاول مرة بمطبعة السعادة بالقاهرة عام 1348 ه في ( 14 ) جزءا ضمن ( 7 ) مجلدات ، وأعيد طبعه مؤخرا بدار الكتب العلمية في بيروت عام 1404 ه مفهرسا ، ويعمل بتحقيقه الان مجموعة من المحققين الافاضل بدمشق . ( 6 ) طبع مستقلا عن " البداية والنهاية " بتحقيق فهيم أبو عبيه بدار نهضة مصر عام 1396 ه في مجلدين . ( * ) / صفحة 12 / ( ت 945 ه ) في " طبقات المفسرين " 1 / 113 : مات في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وسبعين ، ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية ) ، وينفرد ابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه ) من بين المصادر فيذكر في " الدرر الكامنة " 1 / 374 : ( وكان أضر في أواخر عمره ) . / صفحة 13 / مصادر ترجمة ابن كثير ( 1 ) المصادر القديمة - ابن كثير نفسه صاحب الترجمة ، البداية والنهاية 14 / 33 - 34 ( طبعة دار الكتب العلمية في بيروت 1404 ه ) . - ابن عبد الهادي ( ت 744 ه ) تذكرة الحفاظ 1 / 11 ( مخطوط ) . الذهبي ، شمس الدين ( ت 748 ه ) المعجم المختص ( مخطوط ) ومسودة " طبقات الحفاظ " ( مخطوط ) نقل عنهما الحسيني . - أبو المحاسن الحسيني ( ت 765 ه ) ذيل تذكرة الحفاظ ص 57 . - ابن ناصر الدين ( ت 842 ه ) الرد الوافر ص 154 . ابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه ) الدرر الكامنة 1 / 373 وإنباء الغمر 1 / 39 . - ابن تغري بردي ( ت 874 ه ) النجوم الزاهرة 11 / 123 - 124 . - السيوطي ، جلال الدين ( ت 911 ه ) ذيل تذكرة الحفاظ ص 361 ولم يذكره في " طبقات المفسرين " . - النععيي ( ت 927 ه ) الدارس في تاريخ المدارس 1 / 36 - 37 و 2 / 582 . - الداودي ( ت 945 ه ) طبقات المفسرين 1 / 111 ( طبعة دار الكتب العلمية في بيروت 1403 ه ) . - طاش كبرى زادة ( ت 968 ه ) مفتاح السعادة 1 / 204 - 205 . - حاجي خليفة ( ت 1067 ه ) كشف الظنون : 10 ، 19 ، 238 ، 280 ، 439 ، 471 ، 550 ، 573 ، 1002 ، 1105 ، 1162 ، 1521 ، 1840 . - ابن العماد ( ت 1089 ه ) شذرات الذهب 6 / 231 . * ( هامش ) * ( 1 ) رتبنا هذه المصادر حسب التسلسل الزمني لوفيات أصحابها ، ووزعناها ضمن أربع مجموعات : المصادر القديمة ، والمراجع الحديثة ، وفهارس المخطوطات ، والمجلات . ( * ) / صفحة 14 / - البغدادي ( ت 1239 ه ) إيضاح المكنون 2 / 194 ، وهدية العارفين 1 / 215 . - الشوكاني ( ت 1250 ه ) البدر الطالع 1 / 153 . | |
| | | RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: رد: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:39 pm | |
| المراجع الحديثة - سركيس ( ت 1351 ه ) معجم المطبوعات العربية : 226 ، وجامع التصانيف الحديثة لعام 1927 م 1 / 86 . - بروكلمان ( ت 1376 ه ) تاريخ الادب العربي ( بالاصل الالماني ) الذيل 2 / 48 - 49 . - الزركلي ( ت 1396 ه ) الاعلام 1 / 320 . - العدوي ، محمود ، الزيارات 23 / 1 ( من مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1375 ه ) . - محمد الدمشقي ، ذيل طبقات الذهبي : 18 / 2 ، 19 / 1 ( مخطوط ) . - أحمد شاكر ، عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير . - الذهبي ، محمد حسين ( ت 1397 ه ) التفسير والمفسرون 1 / 242 - 247 . - كحالة ، عمر رضا ، معجم المؤلفين 2 / 283 - 284 . الفهارس - الحلبي ، مخطوطات الموصل : 53 . - كتبخانه آيا صوفية : 10 ، 200 . - نور عثمانية كتبخانة : 13 . - حميدية كتبخانة : 48 . - كتبخانة ولي الدين : 134 . - فهرست الخديوية : 1 / 323 و 5 / 4 ، 19 . - الفهرس التمهيدي . المجلات - محمد عبد الغني حسن ، مجلة الثقافة بالقاهرة ، السنة 14 ، العدد 726 ، ص 17 - 19 . - أحمد الشرباصي ، مجلة الحج ، 10 / 103 - 108 . - راغب الطباخ ، مجلة البحث العلمي بدمشق 18 / 376 - 377 . - صلاح الدين المنجد ، مجلة معهد المخطوطات 2 / 115 - 116 . ( * ) / صفحة 15 / علم التفسير ( 1 ) تعريفه ، نشأته وتطوره ، أنواعه ، الاسرائيليات تعريف التفسير والتأويل التفسير في اللغة هو الايضاح والتبيين ، ومنه قوله تعالى في سورة الفرقان ، آية ( 33 ) : ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) ، أي بيانا وتفصيلا ، وهو مأخوذ من الفسر أي الابانة والكشف . قال الفيروز آبادي في اللسان - فسر - : ( الفسر : البيان ، وكشف المغطى ، والتفسير : كشف المراد عن اللفظ المشكل ) . وأما في الاصطلاح ، فقد عرفه أبو حيان النحوي ( ت 754 ه ) في " البحر المحيط " بأنه ( علم يبحث عن كيفية النطق بالفاظ القران ، ومدلولاتها ، وأحكامها الافرادية والتركيبية ، ومعانيها التي تحمل عليها حالة التركيب ، وتتمات لذلك ) . والتأويل في اللغة مأخوذ من الاول وهو الرجوع ، قال الفيروز آبادي في " القاموس المحيظ " - أول - : ( أول الكلام تأويلا وتأوله : دبره وقدره وفسره ، والتأويل : عبارة الرؤيا ) . فكأن المؤول أرجع الكلام إلى ما يحتمله من المعاني . والتأويل في الاصطلاح : تفسير الكلام وبيان معناه ، سواء أوافق ظاهره أو خالفه ، وهذا ما يعينه ابن جرير الطبري بقوله في تفسيره : ( القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا . . ) وبقوله : ( اختلف أهل التأويل في هذه الاية ) ونحو ذلك ، فإن مراده التفسير . وفرق بعض العلماء بين التفسير والتأويل . نشأة التفسير وتطوره نزل القرآن الكريم بلغه العرب ، وعلى أساليبهم في الكلام ، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى في سورة إبراهيم ، الاية ( 4 ) : ( وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم ) لذلك كان الصحابة الكرام يفهمون القرآن في جملته ، أي بالنسبة لظاهره وأحكامه ، أما فهمه تفصيلا ، ومعرفة دقائقه بحيث لا يغيب عنهم منه شئ فقد تفاوتوا في ذلك ، بسبب اختلافهم في العلم بلغتهم ، وبمعرفة أسباب النزول ، فكانوا يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يفهموه فيفسره لهم لذا فقد أثر عنه صلى الله عليه وسلم عدد كبير من الاحاديث تتناول تفسير القرآن . وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اشتهر عدد كبير من الصحابة بالتفسير ، وقد عد منهم السيوطي في " الاتقان " : أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبا موسى * ( هامش ) * ( 1 ) اقتبسنا الكلام في هذا الفصل من كتاب " التفسير والمفسرون " للمرحوم الدكتور محمد حسين الذهبي . ( * ) / صفحة 16 / الاشعري ، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين . مصادر التفسير في عهد الصحابة 1 - القران الكريم نفسه حيث أن آياته يفسر بعضها بعضا ، وما أجمل في موضع منه قد يبين في موضع آخر ، فمن ذلك تفسير قوله تعالى في سورة المؤمن ، الاية ( 28 ) : ( وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ) بأنه العذاب الادنى المعجل في الدنيا ، لقوله تعالى في آخر السورة ، الاية ( 77 ) : ( فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ) . 2 - السنة النبوية الشريفة ، فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا من آيات القران ، قال تعالى في سورة النحل ، الاية ( 44 ) : ( ونزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ، والذي يرجع إلى كتب الحديث يجدها حافلة بأبواب التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من ذلك ما رواه الترمذي ، وابن حبان في " صحيحه " عن ابن مسعود قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ( الصلاة الوسطى ) صلاة العصر " ، وقد اعتمد كثير من مؤلفي التفسير على الحديث في تفسره ، فسمي هذا النوع بالتفسير بالمأثور ، ومنها تفسير ابن كثير الذي بين أيدينا . 3 - أقوال الصحابة : كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا لم يجدوا التفسير في القران ، ولم يسمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجعوا في ذلك إلى اجتهادهم لانهم عاينوا نزول القران ، ولانهم كانوا من خلص العرب ، يعرفون عاداتهم والالفاظ ومعانيها ، ومناحي العرب في كلامهم ، ومعتمدين في ذلك على الشعر الذي هو ديوان العرب كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وقد كان الصحابي الجليل ابن عباس صاحب النصيب الاكبر من ذلك ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا له فقال : " اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل " ولذلك لقب " بترجمان القرآن " . مدراس التفسير على عهد الصحابة فتح الله على المسلمين كثير من بلاد العالم ، وتوزع الصحابة في البلاد المفتوحة ، وحملوا معهم علومهم وجلس إليهم كثير من التابعين يتتلمذون عليهم ، فقامت في هذه البلاد مدارس علمية أساتذتها الصحابة وتلاميذها التابعون ، واشتهرت من بين هذه المدارس ثلاث هي : 1 - مدرسة مكة المكرمة : أستاذها الصحابي الجليل ابن عباس ، وتلاميذها : سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة ، وطاوس ، وعطاء . . . 2 - مدرسة المدينة المنورة : أستاذها الصحابي أبي بن كعب ، وتلاميذها : زيد بن أسلم ، وأبي العالية ، ومحمد بن كعب القرظي . . . 3 - مدرسة العراق : أستاذها الصحابي عبد الله بن مسعود ، وتلاميذها : علقمة ، ومسروق ، والاسود ، ومرة ، وعامر ، والحسن ، وقتادة . . . وقد أضيف للتفسير في هذا العهد أقوال التابعين ، وبدأ الخلاف يظهر فيه ، كما بدأ يتسرب إليه الروايات الاسرائيليات بسبب رجوع بعض المفسرين لاهل الكتابين اليهود والنصارى . / صفحة 17 / تدوين التفسير على عهد التابعين مع بداية القرن الثاني للهجرة ، بدأ المسلمون بتدوين علومهم ، بعد أن كانوا يعتمدون على الرواية في حفظها وتبليغها ، وأصدر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ( ت 101 ه ) أمره لعماله في الافاق بجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان التفسير بابا من أبواب الحديث ، ولم يفرد له أول الامر تأليف خاص يفسر القران سورة سورة من مبدئه إلى منتهاه ، ثم انفصل التفسير تدريجيا عن الحديث ، وبدأت تظهر المحاولات الاولى للتاليف في تفسير القران تمثلث بكتب " غريب القران " التي تناولت ألفاظه فقط ككتب الرؤاسي ( ت 170 ه ) والكسائي ( ت 189 ه ) والفراء ( ت 207 ه ) ، ثم ظهرت التفاسير الاولى التي تناولت السور والايات كتفسير ابن ماجه ( ت 273 ه ) وابن جرير الطبري ( ت 310 ) ، وابن المنذر النيسابوري ( ت 318 ه ) وابن أبي حاتم ( ت 327 ه ) . . . وتناولت هذه التفاسير الاولى غريب الالفاظ ، وإيراد ما ورد من الحديث وأقوال الصحابة والتابعين في تفسير بعض الايات . أنواع التفسير كانت المحاولات الاولى للتفسير تعتمد على المأثور من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما نقل عن السلف ، ثم تدرج التفسير بعد ذلك لتدوين العلوم العقلية إضافة للتفسير النقلي ، وبدأ هذا الجانب يتضخم شيئا فشيئا متأثرا بالمعارف العامة ، والعلوم المتنوعة ، والاراء المتشعبة ، والعقائد المتباينة ، وامتزج كل ذلك بالتفسير وتحكمت الاصطلاحات العلمية والعقائد المذهبية بعبارات القران الكريم ، وظهرت آثار الثقافات والفلسفات في تفاسير القران ، وراح كل من برع في من الفنون يفسر القران على الفن الذي برع فيه : * التفاسير اللغوية : فاللغوي ، والنحوي يهتم بجانب الاعراب ووجوهه ، والنحو ومسائله وفروعه وخلافياته ، ويكثر من الشواهد والشعرية كما فعل الزجاج ، والواحدي في " السبط " وأبو حيان في " البحر المحيط " . . . * التفاسير العقلية : ومنهم من عني في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة ، يذكر شبههم والرد عليهم ، كما فعل الفخر الرازي في تفسيره " مفاتيح الغيب " . . . * التفاسير الفقهية : وهي التي عني مؤلفوها باستنباط الاحكام الفقهية من أدلتها ، وإيراد الفروع الفقهية كل وفع مذهبه مع الرد على من خالفه من أصحاب المذاهب الاخرى كما فعل الحصاص الحنفي في " أحكام القران " ، والقرطبي المالكي في تفسيره " الجامع لاحكام القران " . . * التفاسير التاريخية : وهي التي عني مؤلفوها بالقصص ، وأخبار الامم السابقة ، كما فعل الثعلبي والخازن . . . * تفاسير الفرق : وهي التي وضعها أصحاب الفرق والعقائد المتباينة ، محاولين تأويل كلام الله حسب مذاهبهم ، كما فعل الرماني ، والجبائي ، والقاضي عبد الجبار ، والزمخشري . . . * تفاسير المتصوفة : وهي التي قصد مؤلفوها نواحي الترغيب والترهيب ، واستنباط الاسرار الباطنية والاشارت الرمزية ، كما فعل ابن عربي ، وأبو عبد الرحمن السلمي . . . / صفحة 18 / التفسير بالمأثور تفسير بالمأثور - أو التفسير النقلي - هو تفسير القران بما جاء في القرآن نفسه من تبيان لبعض آياته ، وبما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . وقد كان هذا النوع من التفاسير أولها ظهورا كما تدرج خلال تطور هذا العلم من الرواية في عصر الصحابة والتابعين إلى التدوين في القرن الثاني ، لان الحديث كان أول ما اهتم العلماء بتدوينه ، ثم لما انفصل التفسير عن الحديث وأفرد بتأليف خاص كان أول ما ظهر فيه صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، ثم ظهرت أجزاء في التفسير كجزء أبي روق ، وأجزاء محمد بن ثور عن ابن جريج ( 1 ) ، ثم ظهر التأليف الموسوعي في التفسير الذي جمع أصحابه فيه كل ما روي من التفسير المأثور كتفسير ابن جرير الطبري ، وتوسع أصحابها في النقل وأكثروا منه بالاسانيد المتصلة حتى استقاض . ثم وجد بعد ذلك أقوام دونوا التفسير بالمأثور بدون ذكر الاسانيد ، وأكثروا من نقل الاقوال بدون التفرقة بين الصحيح وغيره ، مما أفقد الثقة بها ، ويخاصة عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب ، حتى نقل عن الامام الشافعي قوله : " لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث " ( 2 ) وهو عدد لا يكاد يذكر أمام ما يروى عن ابن عباس في التفسير ، وهذا يدل على مبلغ ما دخل في التفسير بالمأثور من الروايات الموضوعة والاسرائيلية ، ولقد كانت كثرة المرويات أكبر عامل في صرف همة العلماء إلى البحث والتمحيص ، والنقد والتعديل والتجريح ، وترجع أسباب الضعف في رواية التفسير بالمأثور إلى كثرة الوضع ، ودخول الاسرائيليات . * أما الوضع فقد كان مصدره أهل البدع والاهواء والفرق ، والاقوام الذي دخلوا في الاسلام ظاهرا وهم يبطنون الكفر بقصد الكيد له وتضليل أهله ، فوضعوا الروايات الباطلة في تفسير القران ليصلوا إلى أغراضهم ، فكثرت الروايات ، وضمن مؤلفوا التفاسير هذه الروايات في كتبهم دون تحر منهم لصحة أسانيدها ، لان منهجهم في التأليف كان إيراد كل ما ورد من الروايات في الاية الواحدة تاركين أمر تمحيصها لثقافة القارئ . ولقد بذل المحدثون في هذه الفترة جهودا جبارة في مقاومة الوضع وتمييز الصحيح من الروايات عن غيره ، ووضعوا في ذلك التصانيف ، وأنشأوا علم مصطلح الحديث ، ووضعوا قواعد دقيقة جدا لمعرفة الصحيح من غيره ، حتى ميزوا الصحيح من الموضوع فحفظ الله بهم دينه ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) . التفسير والاسرائيليات * وأما الاسرائيليات : فيمكن تعريفها بأنها الروايات المأخوذة عن اليهود والنصارى في أخبار أممهم السابقة وقصص أنبيائهم ، وإن كان الجانب اليهودي هو الذي اشتهر أمره ، وغلب على الجانب النصراني بسبب أغلبية اليهود في ذلك الوقت واختلاطهم مع المسملين في بلادهم ، ولقد نزل القرآن بموضوعات وردت في التوراة والانجيل ، كقصة آدم عليه السلام ونزوله إلى الارض ، وقصة موسى عليه السلام مع قومه اليهود ، وقصة عيسى عليه السلام وأمه مريم ، كل ذلك ورد في القرآن الكريم موجزا يقتصر على ذكر العظة والعبرة من قصصهم دون التعرض لتفاصيل قصصهم ، وقد وجد المسلمون تفصيل هذا الايجاز عند أهل الديانات السابقة بما لا يتعارض مع شريعتهم ، فلجاوا إليهم ، واقتبسوا منهم ، دون تحر منهم لصحة هذه الاخبار . * ( هامش ) * ( 1 ) السيوطي ، الاتقان 2 / 88 . ( 2 ) السيوطي ، الاتقان 2 / 189 . ( * ) / صفحة 19 / وقد أخبر الله تعالى في القرآن أن أهل الكتاب قد حرفوا كتبهم فقال : ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) ( 1 ) وقال : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ( 2 ) . كما بين النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه الموقف الواجب اتخاذه تجاه أهل الكتاب فقال : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم " ( 3 ) ولكن المسلمين تساهلوا في الاخذ عن أهل الكتاب وهكذا دخلت الاسرائيليات في كتب التفسير ، وكانت مصادر الاسرائيليات تدور حول أربعة أشخاص هم : عبد الله بن سلام ، وكعب الاحبار ، ووهب بن منبه ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريح . الاسرائيليات وأثرها في التفسير بالمأثور قسم العلماء الاسرائيليات إلى ثلاثة أقسام : ( الاول ) مقبول وهو ما علم صحته بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك كتعيين اسم الخصر عليه السلام ، إذ ورد فيه حديث صحيح عند البخاري في صحيحه ، في كتاب التفسير ، أو ما كان له شاهد من الشرع يؤيده . ( والثاني ) مسكوت عنه : وهو ما لم يعلم صحته ولا كذبه ، وهذا القسم تجوز حكايته للعظة والعبرة ، ولا نؤمن بصدقه ولا كذبه امتثالا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا . . . " ( والثالث ) مرفوض : وهو ما علم كذبه لتناقضه مع تنا شريعتنا أو مخالفته للعق ، ولا يصح تصديقه ولا قبوله ولا روايته ، وإذا رواه المفسر في تفسيره وجب عليه بيانه . وقد كان لهذه الاسرائيليات أثر سئ في التفسير ، إذ أدخلت فيه كثيرا من القصص الخيالي المخترع ، والاخبار المكذوبة ، وهذا ما دفع العلماء لمقاومتها ، وإخضاعها لمعابير نقد الرواية ، وموازين الشريعة لتمييز المقبول من المردود . وبسبب هذه الاسرائيليات تفاوتت الثقة في كثير من التفاسير التي وضعها كبار الائمة . أشهر من بين هذه الكتب ثمانية ، تفاوتت قيمتها عند الامة بين القبول والرفض ، وسنذكرها مع تبيان قيمة كل واحد منها : 1 - جامع البيان لابن جرير الطبري ( ت 310 ه ) ( 4 ) : وهو من أقدم التفاسير وأشهرها ، كما يعتبر المرجع الاول عند المفسرين بالنقل والعقل ، نظرا لما فيه من الروايات والاستنباطات ، وترجيح بعضها على بعض ، ويقع في ثلاثين جزئا من الحجم الكبير ، وهو مطبوع ، وتقوم دار المعرفة في بيروت بنشره ، كما قام العلامة أحمد شاكر ورحمه الله بتحقيق نصفه واخترمته المنية قبل إتمامه . 2 - بحر العلوم للسمرقندي ( ت 373 ه ) ( 5 ) : صاحبه هو الامام أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم ، الفقيه الحنفي المعروف بإمام الهدى ، وهو تفسير لطيف مفيد لكنه يذكر الروايات مجردة عن أسانيدها ، دون ترجيح ، وقد خرج أحاديثه قاسم بن قطلوبغا ( ت 854 ه ) ، وهذا التفسير مخطوط في ثلاث مجلدات كبار بدار الكتب المصرية . * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النساء ( 4 ) ، الاية ( 46 ) . ( 2 ) سورة البقرة ( 2 ) ، الاية ( 79 ) . ( 3 ) حديث صحيح أخرجه البخاري في كتاب التفسير من صحيحه . ( 4 ) الذهبي ، التفسير والمفسرون 1 / 205 . ( 5 ) حاجي خليفة ، كشف الظنون 1 / 324 . ( * ) / صفحة 20 / 3 - الكشف والبيان للثعلبي - أو الثعالبي - ( ت 427 ه ) ( 1 ) : صاحبه أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم النيسابوري المقرئ ، المفسر ، الحافظ ، الواعظ ، رأس التفسير والعربية ، قال ابن خلكان : ( وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير ) وقد ذكر الثعالبي في مقدمته لتفسيره منهجه ومصادره وأسانيدها إلى من يروي عنه ، واكتفى بذلك عن ذكر الاسانيد أثناء الكتاب وهو كتاب حافل بالاسرائيليات دون التنبيه عليها ، ويوجد منه مخطوط غير كامل في مكتبة الازهر ينتهي عند أواخر سورة الفرقان . 4 - معالم التنزيل للبغوي ( ت 516 ه ) ( 2 ) : صاحبه أبو محمد الحسين بن مسعود ، الفراء ، البغوي ، الفقيه الشافعي ، المحدث ، وقد وصف الخازن هذا التفسير فقال : ( من أجل المصنفات في علم التفسير وأعلاها ، وأنبلها وأسناها ، جامع للصحيح من الاقاويل ، عار عن الشبه والتصحيف والتبديل ، محلى بالاحاديث النبوية . . . ) وقال عنه ابن تيمية في أصول التفسير : ( والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي ، لكنه صان تفسيره عن الاحاديث الموضوعة والاراء المبتدعة ) ، وسئل في فتاواه عن أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة : الزمخشري أم القرطبي أم البغوي ؟ فأجاب : ( وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها ، فأسلمها من البدعة والاحاديث الضعيفة البغوي . . . ) وقد طبع هذا التفسير مؤخرا بدار المعرفة في بيروت في ( 4 ) مجلدات بتحقيق خالد العك ومروان سوار . 5 - المحرر الوجيز لابن عطية ( ت 546 ه ) : ( 3 ) مؤلفه أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الاندلسي المغربي الغرناطي ، الحافظ ، القاضي ، من بيت علم وأدب ، قال عنه أبو حيان : ( أجل من صنف في علم التفسير ، وأفضل من تعرض فيه للتنقيح والتحرير ) ويقارن بين تفسيره وتفسير الزمخشري فيقول : ( وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص ، وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص ) . وقد طبع من هذا التفسير الجزء الاول في القاهرة ، ولا يزال الباقي مخطوطا ، وهو يقع في عشرة مجلدات كبار يوجد منه أجزاء بدار الكتب المصرية . 6 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير ( ت 774 ه ) . وسيأتي الكلام عليه بالتفصيل في فصل خاص من هذه المقدمة إن شاء الله . 7 - الجواهر الحسان للثعالبي ( ت 876 ه ) . مؤلفه أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الجزائري المغربي المالكي ، الامام الحجة ، العالم ، الزاهد الورع ، وقد اعتمد في تفسيره على تفسير ابن عطية وأبي حيان وزاد عليهما ، وهو يذكر الروايات المأثورة بدون أسانيدها ، وإذا ذكر الاسرائيليات تعقبها بالنقد والتمحيص . وقد طبق الكتاب في الجزائر في أربعة أجزاء . 8 - الدر المنثور للسيوطي ( ت 911 ه ) . اختصر السيوطي في هذا التفسير كتاب مسندا ألفه قبله هو " ترجمان القرآن " جمع فيه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف بأسانيدها . ثم رأى حذف أسانيدها والاقتصار على متونها فقط وذكر من خرجها ، فوضع الدر المنثور ، وهو حافل بالاحاديث دونما تمييز بين صحيحها وسقيمها ويقتصر من بين سائر الكتب المذكورة سابقا على الحديث دون غيره ، وهو يحتاج لجهود كبيرة في الحكم على أحاديثه ، وقد طبع بدار المعرفة في بيروت في ست مجلدات كبار . * ( هامش ) * ( 1 ) ياقوت الحموي ، معجم الادباء 5 / 37 . ( 2 ) الذهبي ، التفسير والمفسرون 1 / 234 . ( 3 ) أبو حيان ، البحر المحيط 1 / 10 . ( * ) / صفحة 21 / قيمة تفسير ابن كثير توثيقه - منهجه توثيقه وتسميته أجمع الذين ترجموا لابن كثير على نسبة هذا التفسير له ، وسنذكر المصادر التي نصت على الكتاب وفق التسلسل الزمني لوفيات أصحابها : 1 - أقدم من ترجم له أبو المحاسن ، محمد بن علي الحسيني ( ت 765 ه ) وكان ممن عاصر ابن كثير ، وتوفي قبله ، ذكره في ذيله على " طبقات الحفاظ للذهبي " ص 57 فقال : ( وأفتى ودرس وناظر ، وبرع في الفقه والتفسير والنحو ) وقال : ( ذكره الذهبي في مسودة " طبقات الحفاظ " ، وقال في المعجم المختص " : هو فقيه متقن ، ومحدث محقق ، ومفسر نقاد ) ، ولم يصرح الحسيني ولا الذهبي باسم تفسيره ، وإنما اكتفيا كما نلاحظ بوصفه بالمفسر . 2 - وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه ) في " الدرر الكامنة " 1 / 374 فقال : ( واشتغل بالحديث مطالعته في متونه ورجاله ، فجمع " التفسير " ) ولم يعلم يصرح باسمه كذلك . 3 - وذكره السيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ( ت 911 ه ) في " ذيل طبقات الحفاظ " ص 361 فقال : ( له " التفسير " الذي لم يؤلف على نمطه مثله ) ، ولم ينص على اسمه كذلك . 4 - وذكره الداودي ، محمد بن علي بن أحمد ( ت 945 ه ) في " طبقات المفسرين " 1 / 112 فقال : ( وصنف في صغره كتاب " الاحكام " على أبواب " التنبيه " ، والتاريخ المسمى ب " البداية والنهاية " و " التفسير " . . . ) ويسميه بالتفسير دون النص على اسمه . 5 - وذكره حاجي خليفة مصطفى بن عبد الله القسطنطيني ( ت 1067 ه ) في " كشف الظنون " ص 439 فقال : ( تفسير ابن كثير : وهو كبير في عشر مجلدات ، فسر بالاحاديث والاثار مسندة من أصحابها مع الكلام على ما يحتاج إليه جرحا وتعديلا ) ونلاحظ تسميته له ب " تفسير ابن كثير " من باب نسبة التفسير لصاحبه ، وهو ما اشتهر به الكتاب بعد ذلك . 6 - وذكره إبن العماد الحنبلي ، أبو الفلاح عبد الحي ( ت 1089 ه ) في " شذرات الذهب " 6 / 231 فقال : ( ومن مصنفاته : التاريخ المسمى ب " البداية والنهاية " و " التفسير " . . . ) ونلاحظ تسميته ب " التفسير " على غرار من تقدمه . / صفحة 22 / 7 - وذكره الشوكاني ، محمد بن علي ( ت 1250 ه ) في " البدر الطالع " 1 / 153 فقال : ( وله تصانيف مفيدة منها : " التفسير " المشهور ، وهو في مجلدات ، وقد جمع فيه فأوعى ، ونقل المذاهب والاخبار والاثار ، وتكلم بأحسن كلام وأنفسه ، وهو من أحسن التفاسير ، إن لم يكن أحسنها ) وهو يكتفي بتسميته ب " التفسير " . 8 - وذكره البغدادي ، إسماعيل باشا بن محمد أمين ( ت 1339 ه ) في " هدية العارفين " 1 / 215 فقال : ( من تصانيفه : " الاجتهاد في طلب الجهاد " . " أحكام التنبيه " . " البداية والنهاية " في التاريخ ، " تفسير القرآن " . . . ) وهو يسميه ب " تفسير القرآن " . 9 - وذكره الكتاني ، محمد بن جعفر الادريسي ( ت 1345 ه ) في " الرسالة المستطرفة ) ص 145 - 146 فقال في معرض كلامه على أنواع كتب الحديث : ( ومنها كتب التفاسير والشروح الحديثية لاهلها حفظ للحديث ومعرفة به ، واعتناء بشأنه ، وإكثار فيما يتعلق به ، كتفسير الحافظ عماد الدين ابن كثير في عشر مجلدات فإنه مشحون بالاحاديث والاثار بأسانيد مخرجيها مع الكلام عليها صحة وضعفا ، وقد قال السيوطي في " ذيل تذكرة الحفاظ " والزرقاني في " شرح المواهب " : إنه لم يؤلف على نمط قط ) . فيسميه " تفسير الحافظ عماد الدين ابن كثير " . 10 - وذكره سركيس ، يوسف إليان ( ت 1351 ه ) في " معجم المطبوعات العربية " ص 226 فقال : ( تفسير ابن كثير : طبع بهامش " فتح البيان في مقاصد القرآن " لصديق حسن خان سنة 1302 ه ) وذكر في الهامش استدراكا : ( وطبع مع " تفسير البغوي " ، انظر جامع التصانيف الحديثة لعام 1927 م ) . 11 - وذكره بروكلمان ( ت 1376 ه ) في " تاريخ آداب اللغة العربية " بالاصل الالماني ، في الذيل 2 / 48 - 49 ونص على وجود مخطوطاته في مكتبات العالم ، وهي مما يزيد في توثيق الكتاب . 12 - وذكره الزركلي ، خير الدين ( ت 1396 ه ) في " الاعلام " 1 / 320 من الطبعة الخامسة ( 1400 ه / 1980 م ) فقال : ( من كتبه . . . و " تفسير القران الكريم - ط " عشرة أجزاء ) وذكر في الحاشية ( طبع أولا ببولاق على هامش " فتح البيان " للقنبوجي في عشرة أجزاء ، ثم طبع منفردا في أربعة ، ثم تكررت طبعاته . واختصره أحمد محمد شاكر ، وسمى المختصر " عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير " طبع خمسة أجزاء منه ) . 13 - وذكره الذهبي ، محمد حسين ( ت 1397 ه ) في " التفسير والمفسرون " 1 / 242 وتوسع في الكلام عليه . 14 - وذكره كحالة ، عمر رضا ( معاصر ) في معجم المؤلفين 2 / 284 فقال : ( من تصانيفه : تفسير كبير في عشر مجلدات ) . هذه هي أهم المصادر التي ترجمت لابن كثير ، وذكرت تفسيره ، ولا يشك أحد من أصحابها بنسبة هذا التفسير له ، ولكنهم يختلفون في تسميته كما رأينا ، فبعضهم يسميه ب " التفسير " ، وبعضهم ب " تفسير ابن كثير " و " تفسير القرآن الكريم " ، و " تفسير القرآن العظيم " ، وكلها تسميات أطلقها العلماء والنساخ على هذا الكتاب لا ضير في اختلافها ، والمسمى واحد . منهج تفسير ابن كثير وقيمته العلمية ( 1 ) تفسير ابن كثير من أشهر ما دون في التفسير المأثور ، ويعتبر في هذه الناحية الكتاب الثاني بعد كتاب ابن * ( هامش ) * ( 1 ) اقتبسنا الكلام من الدكتور محمد حسين الذهبي في كتابه " التفسير والمفسرون " 1 / 242 - 247 . ( * ) / صفحة 23 / جرير . اعتنى فيه مؤلفه بالرواية عن مفسري السلف ، ففسر فيه كلام الله تعالى بالاحاديث والاثار مسندة إلى أصحابها ، مع الكلام عما يحتاج إليه جرحا وتعديلا . منهجه وقد قدم له مؤلفه بمقدمة طويلة هامة ، تعرض فيها لكثير من الامور التي لها تعلق واتصال بالقران وتفسيره ، ولكن أغلب هذه المقدمة مأخوذ بنصه من كلام شيخه ابن تيمية الذي ذكره في " مقدمته في أصول التفسير " . وهو يمتاز في طريقته بأنه يذكر الاية ، ثم يفسرها بعبارة سهلة موجزة ، وإن أمكن توضيح الاية أخرى ذكرها وقارن بين الايتين حتى يتبين المعنى ويظهر المراد ، وهو شديد العناية بهذا النوع من التفسير الذي يسمونه تفسير القران بالقران ، وهذا الكتاب أكثر ما عرف من كتب التفسير سردا للايات المتناسبة في المعنى الواحد . ثم يعد أن يفرغ من هذا كله ، يشرع في سرد الاحاديث المرفوعة التي تتعلق بالاية ، ويبين ما يحتج به وما لا يحتج به منها ، ثم يردف هذا بأقوال الصحابة والتابعين ومن يليهم من علماء السلف . ونجد ابن كثير يرجح بعض الاقوال على بعض ، ويضعف بعض الروايات ، ويصحح بعضا آخر منها ، ويعدل بعض الرواة ويجرح بعضا آخر . وهذا يرجع إلى ما كان عليه من المعرفة بفنون الحديث وأحوال الرجال . مصادره وكثيرا ما نجد ابن كثير ينقل من تفسير ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وتفسير ابن عطية ، وغيرهم ممن تقدمه . ابن كثير والاسرائيليات ومما يمتاز به ابن كثير ، أنه ينبه إلى ما في التفسير المأثور من منكرات الاسرائيليات ، ويحذر منها على وجه الاجمال تارة ، وعلى وجه التعيين والبيان لبعض منكراتها تارة أخرى . فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى في الاية ( 67 ) وما بعدها من سورة البقرة ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة . . ) إلى آخر القصة ، نراه يقص لنا قصة طويلة وغريبة عن طلبهم للبقرة المخصوصة ، وعن وجودهم لها عند رجل من بني إسرائيل كان من أبر الناس بأبيه . . الخ ، ويروي كل ما قيل في ذلك عن بعض علماء السلف . . . ثم بعد أن يفرغ من هذا كله يقول ما نصه : " وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم ، فيها اختلاف ، والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل ، وهي مما يجوز نقلها ولكن لا تصدق ولا تكذب ، فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا . والله أعلم " . ومثلا عند تفسيره لاول سورة " ق " نراه يعرض لمعنى هذا الحرف في أول السورة ( ق ) ويقول : " . . . وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا " ق " جبل محيط بجميع الارض يقال له جبل قاف ، وكأن هذا - والله أعلم - من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم مما لا يصدق ولا يكذب ، وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاف بعض زنادقتهم ، يلبسون به على الناس أمر دينهم ، كما افتري في هذه الامة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما بالعهد من قدم ، فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد / صفحة 24 / فيهم ، وشربهم الخمور وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه ، وتبديل كتب الله وآياته ؟ . وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله " وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " فيما قد يجوزه العقل ، فأما فيما تحيله العقول ، ويحكم فيه بالبطلان ، ويغلب على الظنون كذبه ، فليس من هذا القيل . والله أعلم " ا ه . ابن كثير والمسائل الفقهية كما نلاحظ على ابن كثير أنه يدخل في المناقشات الفقهية ، ويذكر أقوال العلماء وأدلتهم عندما يشرح آية من آيات الاحكام ، وإن شئت أن ترى مثالا لذلك فارجع إليه عند تفسير قوله تعالى في الاية ( 185 ) من سورة البقرة ( . . . فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر . . . ) الاية ، فإنه ذكر أربع مسائل تتعلق بهذه الاية ، وذكر أقوال العلماء فيها ، وأدلتهم على ما ذهبوا إليه ، وارجع إليه عند تفسير قوله تعالى في الاية ( 230 ) من سورة البقرة أيضا ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره . . . ) ة …………………………………………………… | |
| | | RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: رد: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:40 pm | |
| فإنه قد تعرض لما يشترط في نكاح الزوج المحلل ، وذكر أقوال العلماء وأدلتهم . وهكذا يدخل ابن كثير في خلافات الفقهاء ، ويخوض في مذاهبهم وأدلتهم كلما تكلم عن آية لها تعلق بالاحكام ، ولكنه مع هذا التفسير من خير كتب التفسير بالمأثور ، وقد شهد له بعض العلماء ، فقال السيوطي في ذيل تذكرة الحافظ ، والزرقاني في شرح المواهب : ( إنه لم يؤلف على نمط مثله ) . مخطوطاب التفسير نص بروكلمان في ذيل " تاريخ الادب " 2 / 49 ( بالاصل الالماني ) على وجود ( 7 ) نسخ خطية لهذا الكتاب وهي : 1 - نسخة المكتبة السليمانية باسطنبول رقم ( 67 ) . 2 - نسخة مكتبة سليم آغا باسطنبول 8 / 11 . 3 - نسخة مكتبة نور عثمانية باسطنبول 187 / 8 . 4 - نسخة المكتبة الحميدية باسطنبول 42 / 3 . 5 - نسخة مكتبة دار الكتب المصرية 1 / 37 . 6 - نسخة مكتبة ولاية رامپور بالهند 1 / 24 ، 41 . 7 - نسخة المكتبة الشرقية العامة في بنكيبور في الهند - باتنا 1410 / 3 . 8 - وتوجد نسخة خطية في مكتبة الحرم المكي مقابلة على نسخة المؤلف . ورد ذكرها في طبعة دار الفكر الصادرة عام 1385 ه في ( 7 ) أجزاء . طبعاته أما طبعاته فهي كثيرة جدا نذكر منها الطبعات الاصلية دون المصورة حسب التسلسل الزمني لتاريخ صدورها : / صفحة 25 / 1 - طبع لاول مرة بهامش " فتح البيان في مقاصد القرآن " لصديق حسن خان في بولاق عام 1302 ه . وفي أره عام 1307 ه ، وفي القاهرة عام 1345 ه ، ذكره سركيس في " معجم المطبوعات " ص 226 وبروكلمان في ذيل " تاريخ الادب " 2 / 49 ( بالاصل الالماني ) . 2 - وطبع مع تفسير " معالم التنزيل " للبغوي ، أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء ( ت 456 ه ) بعناية محمد رشيد رضا في القاهرة عام 1342 ه في جزءين على نفقة الامير عبد العزيز أمير نجد ، ذكره سركيس في " جامع التصانيف الحديثة " لعام ( 1927 م ) 1 / 86 ، وبروكلمان في ذيل " تاريخ الادب " ( الاصل الالماني ) 2 / 49 . 3 - وطبع مع تفسير البغوي المسمى " معالم التنزيل " بأسفل صفحاته وبآخره " فضائل القرآن " لابن كثير في مطبعة المنار بالقاهرة عام ( 1347 ه ) في ( 9 ) أجزاء ، ذكرته عايدة نصير في " الكتب العربية التي نشرت في الجمهورية العربية المتحدة ( مصر ) بين عامي 1926 / 1940 م " ( 1 ) ص 25 . 4 - وطبع مستقلا باسم " تفسير القرآن العظيم " بمطبعة مصطفى محمد في القاهرة عام 1356 ه . ذكرته عايدة نصير في المصدر نفسه . 5 - وطبع مستقلا أيضا باسم " تفسير القرآن الكريم " بمطبعة عيسى البابي الحلبي عام 1372 ه في ( 4 ) أجزاء ، ذكره د . أحمد محمد منصور في " دليل المطبوعات المصرية بين عامي 1940 - 1956 م " ص 22 . 6 - وطبع مستقلا باسم " تفسير ابن كثير " بدار الفكر في بيروت عام 1386 ه في ( 7 ) أجزاء من القطع المتوسط 17 * 24 سنتم وعندي نسخة منه . 7 - وظهرت أول طبعة محققة لهذا الكتاب عام 1393 ه بمطابع الشعب بالقاهرة ، عمل في تحقيقها محمد إبراهيم البنا ، ومحمد أحمد عاشور ، وعبد العزيز عنيم في ( 8 ) أجزاء . يوسف عبد الرحمن المرعشلي بيروت في 1 ذي الحجة 1405 ه . * ( هامش ) * ( 1 ) وهو من منشورات قسم النشر بالجامعة الاميركية بالقاهرة عام 1969 م . ( * ) / صفحة 3 / بسم الله الرحمن الرحيم ( قال الشيخ الامام الاوحد ، البارع الحافظ المتقي ، عماد الدين أبو الفداء : إسماعيل بن الخطيب أبي حفص عمر بن كثير ، الشافعي . ( رحمه الله تعالى ورضي عنه ) . الحمد لله رب الذي افتتح كتابه بالحمد فقال ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) وقال تعالى : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا * وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * ما لهم به من علم ولا لابائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) وافتتح خلقه بالحمد فقال تعالى : ( الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون واختتمه بالحمد فقال بعد ما ذكر مآل أهل الجنة وأهل النار ( وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) ولهذا قال تعالى : ( وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الاولى والاخرة وله الحكم وإليه ترجعون ) كما قال تعالى ( الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الارض وله الحمد في الاخرة وهو الحكيم الخبير ) فله الحمد في الاولى والاخرة أي في جميع ما خلق وما هو خالق ، هو المحمود في ذلك كله كما يقول المصلي " اللهم ربنا لك الحمد ، مل ء السموات ومل ء الارض ، ومل ء ما شئت من شي بعد " ولهذا يلهم أهل الجنة تسبيحه وتحميده كما يلهمون النفس أي يسبحوه ويحمدونه عدد أنفاسهم ، لما يرون من عظيم نعمه عليهم ، وكمال قدرته وعظيم سلطانه وتوالي مننه ودوام إحسانه إليهم كما قال تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم * دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) . والحمد لله الذي أرسل رسله ( مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) وختمهم بالنبي الامي العربي المكي الهادي لاوضح السبل ، أرسله إلى جميع خلقه من الانس والجن من لدن بعثته إلى قيام الساعة كما قال تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والارض لا إله إلا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) وقال تعالى : ( لانذركم به ومن بلغ ) فمن بلغه هذا القرآن من عرب وعجم وأسود وأحمر وإنس وجان فهو نذير له ، ولهذا قال تعالى : ( ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده ) فمن كفر بالقران ممن ذكرنا فالنار موعده بنص الله تعالى كما قال تعالى ( فانذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعثت إلى الاحمر والاسود " قال مجاهد يعني الانس والجن . فهو صلوات الله وسلامه عليه رسول الله إلى جميع الثقلين الانس والجن مبلغا لهم عن الله تعالى ما أوحاه إليه من هذا الكتاب العزيز ( الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) وقد أعلمهم فيه عن الله تعالى أنه ندبهم إلى فهمه فقال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) وقال تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مباركا ليدبروا آياته وليتذكروا أولوا الباب ) وقال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) . / صفحة 4 / ( فالواجب ) على العلماء الكشف عن معاني كلام الله وتفسير ذلك وطلبه من مظانه وتعلم ذلك وتعليمه كما قال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) وقال تعالى : ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله المنزل عليهم وإقبالهم على الدنيا وجمعها واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله . فعلينا أيها المسلمون أن ننتهي عما ذمهم الله تعالى به ، وأن نأتمر بما أمرنا به من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه ، وتفهمه وتفهيمه ، قال الله تعالى : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيى الارض بعد موتها قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون ) ففي ذكره تعالى لهذه الاية بعد التي قبلها تنبيه على أنه تعالى كما يحيى الارض بعد موتها كذلك يلين القلوب بالايمان والهديى بعد قسوتها من الذنوب والمعاصي ، والله المؤمل المسؤل أن يفعل بنا هذا إنه جواد كريم . فإن قال قائل فما أحسن طرق التفسير ؟ ( فالجواب ) أن أصح الطريق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له ، بل قد قال الامام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن . قال الله تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ) وقال تعالى : ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) وقال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه " يعني السنة . والسنة أيضا تنزل عليهم بالوحي كما ينزل القرآن إلا أنها لا تتلى كما يتلي القرآن وقد استدل الامام الشافعي رحمه الله تعالى وغيره من الائمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك . والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه فإن لم تجده فمن السنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " فبم تحكم ؟ قال بكتاب الله ، قال فإن لم تجد ؟ قال بسنة رسول الله ، قال فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأيي . فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال : الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي رسول الله " وهذا الحديث في المسند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه . وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والاحوال التي اختصوا بها ، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماءهم وكبراءهم كالائمة الاربعة الخلفاء الراشدين ، والائمة المهتدين المهديين ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم . قال الامام أبو جعفر بن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح حدثنا الاعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال - قال عبد الله يعني ابن مسعود : والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت . وأين نزلت . ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لاتيته . وقال الاعمش أيضا عن أبي الضحى عن مسروق قال - قال عبد الله يعني ابن مسعود : والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت . وأين نزلت . ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لاتيته . وقال الاعمش أيضا عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن وقال أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذ تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا . ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار وحدثنا وكيع ثنا سفيان عن الاعمش عن مسلم - كذا قال - قال عبد الله يعني ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس . ثم رواه عن يحيي بن داود عن إسحق الازرق عن سفيان عن الاعمش عن مسلم بن صبيح عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال : / صفحة 5 / نعم الترجمان للقرآن ابن عباس . ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الاعمش به كذلك . فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة . وقد مات ابن مسعود رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح وعمر بعده عبد الله بن عباس ستا وثلاثين سنة ، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود وقال الاعمش عن أبي وائل استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة ، وفي رواية سورة النور ففسرها تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لاسلموا . ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدى الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين ابن مسعود وابن عباس ولكن في بعض الاحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال " بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار " رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو ولهذا كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الاذن في ذلك . ولكن هذه الاحاديث الاسرائيليات تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد فأنها على ثلاثة أقسام ( أحدها ) ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح ( والثاني ) ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه ( والثالث ) ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه ويجوز حكايته لما تقدم ، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني . ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في هذا كثيرا . وياتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك ، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ، ولون كلبهم ، وعددهم . وعصا موسى من أي الشجر كانت . وأسماء الطيور التي أحياها الله لابراهيم ، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى ، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دينهم ولا دنياهم . ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى : ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ، ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ، قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل * فلا تمار فيهم إلا مراءا ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) فقد اشتملت هذه الاية الكريمة على الادب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا ، فانه تعالى حكى عنهم ثلاثة أقوال ضعف القولين الاولين وسكت عن الثالث ، فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ثم أرشد على أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فقال في مثل هذا ( قل ربي أعلم بعدتهم ) فإنه ما يعلم ذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه فلهذا قال ( فلا تمار فيهم إلا مراءا ظاهرا ) أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن تستوعب الاقوال في ذلك المقام وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته ، فتشتغل به عن الاهم فالاهم . فأما من حكى خلافا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص إذ قد يكون الصواب في الذي تركه ، أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الاقوال فهو ناقص أيضا ، فإن صحح غير الصحيح عامدا فقد تعمد الكذب ، أو جاهلا فقد أخطا ، وكذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالا متعددة ت لفظا ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور ، والله الموفق للصواب . ( فصل ) إذ لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة ، فقد رجع كثير من الائمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد جبر فإنه كان آية في التفسير كما قال محمد بن إسحاق ثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأساله عنها . وقال ابن جريز : أنبأنا أبو كريب أنبأنا طلق بن غنام عن عثمان المكي عن ابن أبي مليكة قال : رأيت مجاهدا سأل ابن عباس / صفحة 6 / عن تفسير القرآن ومعه ألواحه قال : فيقول له ابن عباس اكتب حتى ساله عن التفسير كله ولهذا كان سفيان الثوري يقول : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به ، وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومسروق بن الاجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم فتذكر أقوالهم في الاية فيقع في عبارتهم تباين في الالفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا ، وليس كذلك فإن منهم من يعبر عن الشئ بلازمه أو بنظيره ، ومنهم من ينض على الشئ بعينه ، والكل بمعنى واحد في أكثر الاماكن فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي . وقال شعبة بن الحجاج وغيره : أقوال التابعين في الفروع ليست حجة فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم وهذا صحيح . أما إذا أجمعوا على الشئ فلا يرتاب في كونه حجة ، فان اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على قول بعض ولا على من بعدهم ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب أو أقوال الصحابة في ذلك . فاما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام لما رواه محمد بن جرير رحمه الله تعالى حيث قال : ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد ثنا سفيان حدثني عبد الاعلي هو ابن عامر الثعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قال في القرآن برايه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار " وهكذا أخرجه الترمذي والنسائي من طرق عن سفيان الثوري به ، ورواه أبو داود عن مسدد عن أبي عوانة عن عبد الاعلي به مرفوعا وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، وهكذا رواه ابن جرير أيضا عن يحيى بن طلحة اليربوعي عن شريك عن عبد الاعلى به مرفوعا ولكن رواه عن محمد بن حميد عن الحكم بن بشير عن عمرو بن قيس الملائي عن عبد الاعلى عن سعيد عن ابن عباس فوفقه ، وعن محمد بن حميد عن جرير عن ليث عن بكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من قوله فالله أعلم . وقال ابن جرير : أنبأنا العباس بن عبد العظيم العنبري ثنا حيان بن هلال ثنا سهل أخو حزم ثنا أبو عمران الجوني عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ " وقد روى هذا الحديث أبو داود والترمذي والنسائي من حديث سهيل بن أبي حزم القطيعي وقال الترمذي : غريب وقد تكلم بعض أهل العلم في سهيل . وفي لفظ لهم " من قال في كتاب الله برأيه فأصاب فقد أخطأ " أي لانه قد تكلف ما لا علم له به وسلك غير ما أمر به فلو أنه أصاب المعنى في نفس الامر لكان قد أخطا لانه لم يأت الامر من بابه كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب في نفس الامر لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ والله أعلم . وهكذا سمى الله القذفة كاذبين فقال ( فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) فالقاذف كاذب ولو كان قد قذف من زنى في نفس الامر لانه أخبر بما يحل له الاخبار به . ولو كان أخبر بما يعلم لانه تكلف ما لا علم له به والله أعلم ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به كما روى شعبة عن سليمان عن عبد الله بن مرة عن - أبي معمر قال - قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : أي أرض تقلني ، وأي سماء تظلني ، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم وقال أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا محمد بن يزيد عن العوام وابن حوشب عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله تعالى : ( وفاكهة وأبا ) فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم . منقطع . وقال أبو عبيد ايضا ثنا يزيد عن حميد عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر ( وفاكهة وأبا ) فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الاب ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال إن هذا لهو التكلف يا عمر وقال محمد بن سعد ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال كنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفي ظهر قميصه أربع رقاع فقرأ ( وفاكهة وأبا ) فقال فما الاب ثم قال هو التكلف فما عليك أن لا تدريه ؟ وهذا كله محمول على أنهما رضي الله عنهما إذا أرادا استكشفا علم كيفية الاب وإلا فكونه نبتا من الارض ظاهر لا يجهل كقوله تعالى : ( فأنبتنا فيها حبا وعنبا ) الاية وقال ابن جرير حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن ابن عباس سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها فأبي أن يقول فيها ، إسناده صحيح . وقال أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال : سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة ؟ فقال له ابن عباس : فما / صفحة 7 / ( يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فقال له الرجل إنما سألتك لتحدثني فقال ابن عباس : هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما . فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم . وقال ابن جرير أيضا : حدثني يعقوب يعني ابن إبراهيم حدثنا ابن علية عن مهدي ين ميمون عن الوليد بن مسلم قال : جاء طلق بن حبيب إلى جندب بن عبد الله فسأله ، عن آية من القرآن ؟ فقال : أحرج عليك إن كنت مسلما لما قمت عني - أو قال : أن تجالسني . وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال : إنا لا نقول في القرآن شيئا . وقال الليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن قال شعبة عن عمرو بن مرة قال سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال : لا تسألني عن القرآن وسل من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شئ يعني عكرمة . وقال ابن شوذب حدثني يزيد بن أبي يزيد قال : كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحرام والحلال وكان أعلم الناس فإذا سألناه عن تفسير آية من القران سكت كأن لم يسمع . وقال ابن جرير : حدثني أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا عبيد الله بن عمر قال : لقد أدركت فقهاء المدينة وإنهم ليعظمون القول في التفسير منهم سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وسعيد بن المسيب ونافع . وقال أبو عبيد حدثنا عبد الله بن صالح عن ليث عن هشام بن عروة قال : ما سمعت أبي يؤول آية من كتاب الله قط . وقال أيوب وابن عون وهشام الدستوائي عن محمد بن سيرين سألت عبيدة يعني السلماني عن آية من القرآن فقال : ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن ، فاتق الله وعليك بالسداد وقال أبو عبيد : حدثنا معاذ عن ابن عون عن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال : إذا حدثت عن الله حديثا فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده . حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال : كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه : وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال قال الشعبي والله ما من آية إلا وقد سألت عنها ولكنها الرواية عن الله عز وجل . وقال أبو عبيد حدثنا هشيم حدثنا عمرو بن أبي زائدة عن الشعبي عن مسروق قال اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله . فهذه الاثار الصحيحة وما شاكلها عن ائمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم فيه . فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعا فلا حرج عليه ، ولهذا روى عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة لانهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه ، وهذا هو الواجب على كل أحد ، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى : ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) ولما جاء في الحديث الذي روي من طرق " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " . وأما الحديث الذي رواه أبو جعفر بن جرير حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا محمد بن خالد بن عثمة حدثنا أبو جعفر بن محمد الزبيري حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القران إلا آيابعدد علمهن إياه جبريل عليه السلام ، ثم رواه عن أبي بكر محمد بن يزيد الطرسوسي عن معن بن عيسى عن جعفر بن خالد عن هشام به - فإنه حديث منكر غريب وجعفر هذا هو ابن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الزبيري قال البخاري : لا يتابع في حديثه وقال الحافظ أبو الفتح الازدي : منكر الحديث ، وتكلم عليه الامام أبو جعفر بما حاصله أن هذه الايات مما لا يعلم إلا بالتوقيف عن الله تعالى مما وقفه عليها جبرائيل ، وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث فان من القران ما استاثر الله تعالى بعلمه ، ومنه ما يعلمه العلماء ومنه ما تعمله العرب من لغاتها ، ومنه ما لا يعذر أحد في جهالته كما صرح بذلك ابن عباس فيما قال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن أبي الزناد قال : قال ابن عباس التفسير على أربعة أوجه ، وجه تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله . قال ابن جرير : وقد روى نحوه في حديث في إسناده نظر ، حدثني يونس بن عبد الاعلى الصدفى أنبانا ابن وهب سمعت عمرو بن الحرث يحدث عن الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام - لا يعذر أحد بالجهالة به ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله عز وجل ، ومن ادعى علمه سوى الله / صفحة 8 / فهو كاذب " والنظر الذي أشار إليه في اسناده هو من جهة محمد بن السائب الكلبي فإنه متروك الحديث لكن قد يكون إنما وهم في رفعه ، ولعله من كلام ابن عباس كما تقدم والله أعلم . ( مقدمة مفيدة تذكر في أول التفسير قبل الفاتحة ) قال أبو بكر بن الانباري حدثنا اسماعيل بن اسحق القاضي حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام عن قتادة قال : نزل في المدينة من القران البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وبراءة والرعد والنحل والحج والنور والاحزاب ومحمد والفتح والحجرات والرحمن والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمافقون والتغابن والطلاق و ( يا أيها النبي لم تحرم ) إلى راس العشر وإذا زلزلت ( وإذا جاء نصر الله ) هؤلاء السور نزلت بالمدينة وسائر السور بمكة . فأما عدد آيات القران العظيم فستة الافا آية ثم اختلف فيما زاد على ذلك على أقوال : فمنهم من لم يزد على ذلك ، ومنهم من قال ومائتي آية وأربع آيات ، وقيل وأربع عشرة آية ، وقيل ومائتان وتسع عشرة آية ، وقيل ومائتان وخمس وعشرون آية ، أو ست وعشرون آية ، وقيل ومائتان وست وثلاثون ، حكى ذلك أبو عمرو الداني في كتابه البيان . وأما كلماته فقال الفضل بن شاذان عن عطاء بن يسار سبع وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة . وأما حروفه فقال عبد الله بن كثير عن مجاهد هذا ام أحصينا من القرآن وهو ثلثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائة وثمانون حرفا . وقال الفضل بن عطاء بن يسار ثلثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف وخمس عشر حرفا . وقال سلام أبو محمد الحماني : إن الحجاج جمع القراء والحافظ والكتاب فقال : أخبروني عن القرآن كله كم من حرف هو ؟ قال : فحسبنا فأجمعوا أنه ثلثمائة ألف وأربعون ألفا وسبعمائة وأربعون حرفا قال : فأخبروني عن نصفه فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكفه ( وليتلطف ) وثلثه الاول عند راس مائة آية من براءة والثاني على رأس مائة أو إحدى ومائة من الشعراء ، والثالث إلى آخره ، وسبعة الاولى إلى الدال من قوله تعالى : ( فمنهم من آمن به ومنهم من صد ) والسبع الثاني إلى التاء من قوله تعالى في سورة الاعراف ( أولئك حبطت ) والثالث إلى الالف الثانية من قوله تعالى في الرعد ( أكلها ) والرابع إلى الالف في الحج من قوله ( جعلنا منسكا ) والخامس إلى الهاء من قوله في الاحزاب ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ) والسادس إلى الواو من قوله تعالى في الفتح ( الظانين بالله ظن السوء ) والسابع إلى آخر القرآن . قال سلام أبو محمد علمنا ذلك في أربعة أشهر ، قالوا وكان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربع القران ، فالاول إلى آخر الانعام والثاني إلى ( وليتلطف ) من سورة الكهف ، والثالث إلى آخر الزمر ، والرابع الى آخر القران . وقد حكى الشيخ أبو عمرو الداني في كتابه ( البيان ) خلافا في هذا كله فالله أعلم . وأما ( التحزيب والتجزئة ) فقد اشتهرت الاجزاء من ثلاثين كما في الرابعات بالمدارس وغيرها وقد ذكرنا فيما تقدم الحديث الوارد في تحزيب الصحابة للقران والحديث في مسند الامام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه وغيرهم عن أوس بن حذيفة أنه سال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كيف تحزبون القران ؟ قالوا ثلث وخمس وسبع وتسع وأحد عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل حتى تختم . ( فصل ) واختلف في معنى السورة مما هي مشتقة فقيل من الابانة والارتقاع قال النابغة . ألم تر أن الله أعطاك سورة * ترى كل ملك دونها يتذبذب فكان القارئ ينتقل بها من منزلة الى منزلة . وقيل لشرفها وارتفاعها كسور البلدان وقيل سميت سورة لكونها قطعة من القران وجزءا منه ماخوذ من أسار الاناء وهو البقية ، وعلى هذا فيكون أصلها مهموزا ، وانما خففت الهمزة فابدلت الهمزة واوا لانضمام ما قبلها وقيل لتمامها وكما لها لان العرب يسمون الناقة التامة سورة ( قلت ) ويحتمل ان يكون من الجمع والاحاطة لاياتها كما يسمى سور البلد لاحاطته بمنازله ودوره . وجمع السورة سور بفتح الواو وقد يجمع / صفحة 9 / على سورات وسوارات ، وأما الاية فمن العلامة على انقطاع الكلام الذي قبلها عن الذي بعدها وانفصالهما أي هي بائنة عن أختها ومنفردة قال الله تعالى : ( إن آية ملكه ) وقال النابغة : توهمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابع وقيل لانها جماعة حروف من القران وطائفة منه كما يقال خرج القوم بآياتهم أي بجماعاتهم قال الشاعر : خرجنا من النقبين لا حي مثلنا * بايتنا نزجي اللقاح المطافلا وقيل سميت آية لانها عجب يعجز البشر عن التكلم بمثلها قال سيبويه وأصلها ابية مثل أكمة وشرجة تحركت الياء وانفتح ما قبله فقلبت ألفا فصارت آية بهمزة بعدها مدة وقال الكسائي أصلها آيية على وزن آمنة فقلبت ألفا ثم حذفت لالتباسها وقال الفراء أصلها أيية فقلبت الفا كراهية التشديد فصارت آية وجمعها آي وآياي وآيات . وأما الكلمة فهي اللفظ الواحدة وقد تكون على حرفين مثل ما ولا ونحو ذلك . وقد تكون أكثر ما تكون عشرة أحرف مثل ( ليستخلفنهم - و - أنلزمكموها - فاسقيناكموه ) . وقد تكون الكلمة الواحدة آية مثل ( والفجر - والضحى - والعصر ) وكذلك ( الم - وطه - ويس - و - حم ) في قول الكوفيين و ( حم عسق ) عندهم كلمتان وغيرهم ، يسمى هذه آيات بل يقول هذه فواتح السور وقال أبو عمرو الداني لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى ( مدهامتان ) بسورة الرحمن . ( فصل ) قال القرطبي أجمعوا على أنه ليس في القران شئ من التراكيب الاعجمية ، وأجمعوا أن فيه أعلاما من الاعجمية كإبراهيم ونوح ولوط واختلفوا هل فيه شئ من غير ذلك بالاعجمية ؟ فانكر ذلك الباقلاني والطبري وقالا ما وقع فيه مما يوافق الاعجمية فهو من باب ما توافقت فيه اللغات | |
| | | RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: رد: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:41 pm | |
| سورة الفاتحة** بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ يقال لها الفاتحة أي فاتحة الكتاب خطاً وبها تفتتح القراءة في الصلوات, ويقال لها أيضاً أم الكتاب عند الجمهور, ذكره أنس, والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك, قال الحسن وابن سيرين إنما ذلك اللوح المحفوظ, وقال الحسن الاَيات المحكمات هن أم الكتاب ولذا كرها أيضاً أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم» ويقال لها (الحمد) ويقال لها (الصلاة) لقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي» الحديث. فسميت الفاتحة صلاة لأنها شرط فيها ويقال لها (الشفاء) لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعاً «فاتحة الكتاب شفاء من كل سم» ويقال لها (الرقية) لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما يدريك أنها رقية» ؟ وروى الشعبي عن ابن عباس أن سماها (أساس القرآن) قال: وأساسها بسم الله الرحمن الرحيم وسماها سفيان بن عيينه (بالواقية) وسماها يحيى بن أبي كثير (الكافية) لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة «أم القرآن عوض من غيرها وليس من غيرها عوض منها» ويقال لها سورة الصلاة والكنز, ذكرهما الزمخشري في كشافه. وهي مكية قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية, وقيل مدنية قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري ويقال نزلت مرتين: مرة بمكة ومرة بالمدينة, والأول أشبه لقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} والله تعالى أعلم. وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الاَخر نزل بالمدينة وهو غريب جداً, نقله القرطبي عنه وهي سبع آيات بلا خلاف, وقال عمرو بن عبيد ثمان, وقال حسين الجعفي ستة, وهذان القولان شاذان وإنما اختلفوا في البسملة هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول جماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء على ثلاثة أقوال كما سيأتي تقريرها في موضعه إن شاء الله تعالى وبه الثقة. قالوا وكلماتها خمس وعشرون كلمة وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفاً. قال البخاري في أول كتاب التفسير وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة, وقيل: إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته. قال ابن جرير: والعرب تسمي كل جامع أمرأو مقدم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع: أمّاً, فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ أم الرأس ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أمّاً, واستشهد بقول ذي الرمة. على رأسه أم لنا نقتدي بهاجماع أمور ليس نعصي لها أمراً ـ يعني الرمح ـ قال وسميت مكة أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها وقيل لأن الأرض دحيت منها. ويقال لها أيضاً: الفاتحة لأنها تفتتح بها القراءة وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام وصح تسميتها بالسبع المثاني قالوا لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة وإن كان للمثاني معنى آخر كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى. قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أم القرآن: «هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم» ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثني يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني» وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره حدثنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا محمد بن غالب بن حارث, حدثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي, حدثنا المعافى بن عمران عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رب العالمين سبع آيات: بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن, وهي السبع المثاني والقرآن العظيم, وهي أم الكتاب, وفاتحة الكتاب» وقد رواه الدارقطني أيضاً عن أبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى {سبعاً من المثاني} بالفاتحة وأن البسملة هي الاَية السابعة منها وسيأتي تمام هذا عند البسملة. وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعود: لمَ لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة, قال أبو بكر بن أبي داود يعني حيث يقرأ في الصلاة, قال: واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها وقد قيل: إن الفاتحة أول شيء أنزل من القرآن كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة وقيل: {ياأيها المدثر} كما في حديث جابر في الصحيح وقيل: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وهذ هو الصحيح كما سيأتي تقريره في موضعه والله المستعان. ذكر ما ورد في فضل الفاتحة قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسنده حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صليت, قال: فأتيته فقال: «مامنعك أن تأتيني» ؟ قال قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي قال: ألم يقل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ثم قال: «لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قيل أن تخرج من المسجد» قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال: «نعم {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» وهكذا رواه البخاري عن مسدد وعلي بن المديني, كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان به, ورواه في موضع آخر من التفسير, وأبو داوود والنسائي وابن ماجه من طرق عن شعبة به, ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب فذكر نحوه. وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس رحمه الله ما ينبغي التنبيه عليه فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي أن أبا سعيد مولى ابن عامر بن كريز أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي في المسجد فلما فرغ من صلاته لحقه قال فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ثم قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن لا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها» قال أبي رضي الله عنه, فجعلت أبطى في المشي رجاء ذلك ثم قلت: يا رسول الله ما السورة التي وعدتني ؟ قال: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال فقرأت عليه {الحمد لله رب العالمين} حتى أتيت على آخرها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هي هذه السورة وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت» فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه فإن ابن المعلى صحابي أنصاري وهذا تابعي من موالي خزاعة وذاك الحديث متصل صحيح, وهذا ظاهره منقطع إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم والله أعلم. على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ بن كعب, وهو يصلي قال: يا أبيّ, فالتفت ثم لم يجبه, ثم قال: أبيّ, فخفف أبي ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك أي رسول الله قال: وعليك السلام ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني, قال أي رسول الله إني كنت في الصلاة قال: أولست تجد فيما أوحى الله تعالى إلي {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} قال بلى يا رسول الله لا أعود قال أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت نعم أي رسول الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن لا أخرج هذا الباب حتى تعلمها, قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني وأنا أتبطأ مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث, فلما دنونا من الباب قلت: أي رسول الله ما السورة التي وعدتني ؟ قال ما تقرأ في الصلاة ؟ قال فقرأت عليه أم القرآن قال: والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع المثاني. ورواه الترمذي عن قتيبة عن الدراوردي عن العلائي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكره وعنده أنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ثم قال: هذا حديث حسن صحيح, وفي الباب عن أنس بن مالك, ورواه عبد الله بن الإمام أحمد عن إسماعيل بن أبي معمر عن أبى أسامة عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب, فذكره مطولاً بنحوه أو قريباً منه. وقد رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن أبي عمار حسين بن حريث عن الفضل بن موسى عن عبد الحميد بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن, وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي. هذا لفظ النسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب. وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا هاشم يعني ابن البريد, حدثنا عبد الله بن عقيل عن جابر قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله فلم يرد علي, قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا خلفه حتى دخل رحله ودخلت أنا المسجد فجلست كئيباً حزيناً فخرج عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر فقال: عليك السلام ورحمة الله وعليك السلام ورحمة الله وعليك السلام ورحمة الله ثم قال: «ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخْيَر سورة في القرآن» قلت: بلى يا رسول الله, قال «اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها» هذا إسناد جيد, وابن عقيل هذا يحتج به الأئمة الكبار وعبد الله بن جابر هذا الصحابي ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي والله أعلم, ويقال إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي فيما ذكره الحافظ ابن عساكر واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الأيات والسور على بعض كما هو المحكي عن كثير من العلماء, منهم إسحاق بن راهويه وأبو بكر بن العربي وابن الحفار من المالكية, وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك لأن الجميع كلام الله, ولئلا يوهم التفضيل المفضل عليه, وإن كان الجميع فاضلاً, نقله القرطبي عن الأشعري وأبي بكر الباقلاني وأبي حاتم بن حيان البستي ويحيى بن يحيى ورواية عن الإمام مالك أيضاً حديث آخر, قال البخاري في فضائل القرآن: حدثنا محمد بن المثنى, وحدثنا وهب حدثنا هشام عن محمد عن معبد عن أبي سعيد الخدري, قال: كنا في مسير لنا, فنزلنا فجاءت جارية فقالت: إن سيد الحي سليم وإن نفرنا غيب فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقيه فرقاه فبرأ, فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبناً. فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية أو كنت ترقي ؟ فقال: لا ما رقيت إلا بأم الكتاب قلنا: لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي ونسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «وما كان يدريه أنها رقية اقسموا واضربوا لي بسهم» وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث, حدثنا هشام, حدثنا محمد بن سيرين حدثني معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري بهذا, وهكذا رواه مسلم وأبو داود من رواية هشام وهو ابن حسان عن ابن سيرين به وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث أن أبا سعيد الخدري هو الذي رقى ذلك السليم يعني اللديغ يسمونه بذلك تفاؤلاً. (حديث آخر): روى مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم عن عمار بن زريق عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبرائيل, إذ سمع نقيضاً فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط, قال: فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك, فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته, وهذا لفظ النسائي. ولمسلم نحوه: حديث آخر, قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي هو ابن راهويه حدثنا سفيان بن عيينة عن العلاء, يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الخرقي عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج ثلاثاً غير تمام» فقيل لأبي هريرة إنا نكون خلف الإمام, فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال: {الحمد لله رب العالمين} قال الله حمدني عبدي, وإذا قال {الرحمن الرحيم} قال الله أثنىَ عليّ عبدي, فإذا قال {مالك يوم الدين} قال الله: مجدني عبدي, وقال مرة: فوض إلي عبدي, فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل, فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل». هكذا رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه وقد روياه أيضاً عن قتيبة عن مالك عن العلاء, عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة به, وفي هذا السياق «فنصفها لي ونصفها لعبدي, ولعبدي ما سأل» وهكذا. رواه ابن إسحاق عن العلاء وقد رواه مسلم من حديث ابن جريج عن العلاء عن أبي السائب هكذا ورواه أيضاً من حديث ابن أبي أويس عن العلاء عن أبيه وأبي السائب, كلاهما عن أبي هريرة. وقال الترمذي هذا حديث حسن. وسألت أبا زرعة عنه فقال كلا الحديثين صحيح من قال عن العلاء عن أبيه وعن العلاء عن أبي السائب. روى هذ الحديث عبد الله بن الإمام أحمد من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بن كعب مطولاً وقال ابن جرير حدثنا صالح بن مسمار المروزي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عنبسة بن سعيد عن مطرف بن طريف عن سعد بن إسحاق عن كعب بن عجرة عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين وله ما سأل فإذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} قال: حمدني عبدي وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال: أثنى عليّ عبدي, ثم قال: هذا لي وله ما بقي, وهذا غريب من هذا الوجه. الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه (أحدها) أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة, والمراد القراءة كقوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً} أي بقراءتك كما جاء مصرحاً به في الصحيح عن ابن عباس, وهكذا قال في هذا الحديث «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل» ثم بين تفضيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة فدل على عظمة القراءة في الصلاة, وأنها من أكبر أركانها إذا طلقت العبادة أريد بها جزء واحد منها. هو القراءة كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله: {وقرآن الفجر, إن قرآن الفجر كان مشهوداً} والمراد صلاة الفجر كما جاء مصرحاً به في الصحيحين: «أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار» فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة وهو اتفاق من العلماء, ولكن اختلفوا في مسأله نذكرها في الوجه الثاني, وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب أم تجزىء هي أو غيرها ؟ على قولين مشهورين فعند أبي حنيفه ومن وافقه من أصحابه وغيرهم, أنها لا تتعين بل مهما قرأ من القرآن أجزأه في الصلاة واحتجوا بعموم قوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} وبما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة المسيء في صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسّر معك من القرآن» قالوا فأمره بقراءة ما تيسر ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها فدل على ما قلنا. (والقول الثاني) أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ولا تجزىء الصلاة بدونها, وهو قول بقية الأئمة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء, واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور حيث قال صلوات الله وسلامه عليه: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» والخداج هو الناقص كما فسر به في الحديث «غير تمام» واحتجوا أيضاً بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وفي صحيحه ابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها فيها بأم القرآن» والأحاديث في هذا الباب كثيرة ووجه المناظرة ههنا يطول ذكره وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك رحمهم الله. ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم أنه تجب قراءتها في كل ركعة. وقال آخرون: إنما تجب قراءتها في معظم الركعات. وقال الحسن وأكثر البصريين: إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات أخذاً بمطلق الحديث «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي: لا تتعين قراءتها بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله تعالى {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} والله أعلم. وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً «لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها» وفي صحة هذا نظر وموضع تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير والله أعلم. (والوجه الثالث) هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء (أحدها) أنه تجب عليه قراءتها كما تجب على إمامه لعموم الأحاديث المتقدمة (والثاني) لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها ولا في صلاة الجهرية ولا في صلاة السرية, لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ولكن في إسناده ضعف. ورواه مالك عن وهب بن كيسان عن جابر من كلامه, وقد روي هذا الحديث من طرق ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم (والقول الثالث) أنه تجب القراءة على المأموم في السرية لما تقدم, ولا يجب ذلك في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا, وإذا قرأ فأنصتوا» وذكر بقية الحديث, وهكذا رواه أهل السنن أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وإذا قرأ فأنصتوا» وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضاً, فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول وهو قول قديم للشافعي رحمه الله: والله أعلم. ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ـ والغرض من ذكر هذه المسائل ههنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور. وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا غسان بن عبيد عن أبي عمران الجوني عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذ وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت». تفسير الاستعاذة وأحكامها قال الله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} وقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} وقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها وهو أن الله تعالى يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى المودة والمصافاة, ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطان لا محالة إذ لا يقبل مصانعة ولا إحساناً ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل كما قال تعالى: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة} وقال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} وقال: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظامين بدلا} وقد أقسم للوالد آدم عليه السلام أنه له لمن الناصحين وكذب فكيف معاملته لنا وقد قال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين} وقال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ الله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}. قالت طائفة من القراء وغيرهم: يتعوذ بعد القراءة واعتمدوا على ظاهر سياق الاَية ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة, وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما نقله عنه ابن قلوقا وأبو حاتم السجستاني حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب العبادة الكامل: وروي عن أبي هريرة أيضاً وهو غريب, ونقله محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال: وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري. وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة عن مالك رحمه الله: أن القارىء يتعوذ بعد الفاتحة, واستغربه ابن العربي. وحكى قولاً ثالثاً وهو الاستعاذة أولاً وآخراً جمعاً بين الدليلين, نقله الرازي. والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها ومعنى الاَية عندهم {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} أي إذا أردت القراءة كقوله تعالى {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} الاَية: أي إذا أردتم القيام, والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا محمد بن الحسن بن أنس حدثنا جعفر بن سليمان عن علي بن علي الرفاعي اليشكري عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال: «سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك وتعالى جدك, ولا إله غيرك ويقول لا إله إلا الله ثلاثاً ـ ثم يقول ـ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان عن علي بن علي وهو الرفاعي, وقال الترمذي: هو أشهر شيء في هذا الباب, وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق, والنفخ بالكبر والنفث بالشعر, كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي عن نافع بن جبير بن المطعم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة قال: «الله أكبر كبيراً ثلاثاً, الحمد لله كثيراً ثلاثاً, سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثاً, اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه قال: همزه الموتة ونفخه الكبر ونفثه الشعر, وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن المنذر حدثنا ابن فضيل حدثنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه» قال همزه الموتة ونفخه الكبر ونفثه الشعر, وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن يوسف, حدثنا شريك عن يعلى بن عطاء عن رجل حدثه أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثاً ثم قال: «لا إله إلا الله ثلاث مرات, وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات» ثم قال: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده, حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي, حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن يزيد بن زياد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فتمزع أنف أحدهما غضباً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم شيئاً لو قاله لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن يوسف بن عيسى المروزي عن الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد, به, وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل عن أبي سعيد عن زائدة وأبو داود عن يوسف بن موسى عن جرير بن عبد الحميد والترمذي والنسائي في اليوم الليلة عن بندار عن ابن مهدي عن الثوري والنسائي أيضاً من حديث زائدة بن قدامة ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما غضباً شديداً حتى يخيل إليّ أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب» فقال: ما هي يا رسول الله, قال يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم» قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وجعل يزداد غضباً وهذا لفظ أبي داود, وقال الترمذي: مرسل يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل فإنه مات قبل سنة عشرين (قلت) وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا جرير عن الأعمش عن عدي بن ثابت قال: قال سليمان بن صرد رضي الله عنه. استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس فأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقالوا للرجل ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لست بمجنون, وقد رواه أيضاً مع مسلم وأبي داود والنسائي من طرق متعددة عن الأعمش به. وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها ههنا وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال والله أعلم. وقد روي أن جبريل عليه السلام أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عثمان بن سعيد, حدثنا بشر بن عمارة, حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال: أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: «يا محمد استعذ» قال: «استعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» ثم قال: «قل بسم الله الرحمن الرحيم» ثم قال {اقرأ باسم ربك الذي خلق} قال عبد الله: وهي أو سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم بلسان جبريل. وهذا الأثر غريب وإنما ذكرناه ليعرف فإن في إسناده ضعفاً وانقطاعاً والله أعلم. (مسألة) وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها وحكى الرازي عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال: وقال ابن سيرين: إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب واحتج الرازي لعطاء بظاهر الاَية (فاستعذ) وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب وقال بعضهم: كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته, وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام رمضان في أول ليلة منه. (مسألة) وقال الشافعي في الإملاء يجهر بالتعوذ وإن أسر فلا يضر وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى هل يستحب التعوذ فيها على قولين ورجح عدم الاستحباب, والله أعلم, فإذا قال المستعيذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم: أعوذ بالله السميع العليم وقال آخرون بل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لمطابقة أمر الاَية ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور والأحاديث الصحيحة كما تقدم أولى بالاتباع من هذا والله أعلم. (مسألة) ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف بل للصلاة فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد والجمهور بعدها قبل القراءة, ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وهو لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ولا يقبل مصانعة ولا يدارى بالإحسان بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات من القرآن في ثلاث من المثاني وقال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا} وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري فمن قتله العدو الظاهر البشري كان شهيداً, ومن قتله العدو الباطني كان طريداً, ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجوراً, ومن قهره العدو الباطني كان مفتوناً أو موزوراً, ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان. (فصل) والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر والعياذة تكون لدفع الشر واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي: يا من ألوذ به فيما أؤملهومن أعوذ به ممن أحاذره يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به, أو يحثني على فعل ما نهيت عنه فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة قوله في الأعراف: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ثم قال: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون} وقال تعالى في سورة حم السجدة: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}. الشيطان في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر وبعيد بفسقه عن كل خير وقيل مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ومنهم من يقول كلاهما صحيح في المعنى ولكن الأول أصح وعليه يدل كلام العرب¹ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان عليه السلام: أيما شاطن عصاه عكاهثم يلقى في السجن والأغلال فقال أيما شاطن ولم يقل أيما شائط وقال النابغة الذبياني وهو زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان: نأت بسعاد عنك نوى شطونفباتت والفؤاد به رهين يقول بعدت بها طريق بعيد وقال سيبويه: العرب تقول تشيطن فلان إذا فعل فعل الشياطين ولو كان من شاط لقالوا تشيط فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح ولهذا يسمون كل من تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطاناً قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} وفي مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر «تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن» فقلت أوَ للإنس شياطين ؟ قال «نعم» وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود» فقلت يا رسول الله ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر ؟ فقال: «الكلب الأسود شيطان» وقال ابن وهب أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب برذوناً فجعل يتبختر به فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبختراً فنزل عنه وقال ما حملتوني إلا على شيطان ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي إسناده صحيح. والرجيم فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود عن الخير كله كما قال تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين} وقال تعالى: {إنّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد * لا يسّمّعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحوراً ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} وقال تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} إلى غير ذلك من الاَيات وقيل رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر وأصح. (بسم الله الرحمن الرحيم) افتتح بها الصحابة كتاب الله واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ثم اختلفوا هل هي آية مستقلة في أول كل سورة أو من أول كل سورة كتبت في أولها أو أنها بعض آية من كل سورة أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها أو أنها إنما كتبت للفصل لا أنها آية على أقوال للعلماء سلفاً وخلفاً وذلك مبسوط في غير هذا الموضع, وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه {بسم الله الرحمن الرحيم} وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضاً وروي مرسلاً عن سعيد بن جبير وفي صحيح ابن خزيمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي وفيه ضعف عن ابن جريح عن ابن أبي مليكة عنها, وروى له الدارقطني متابعاً عن أبي هريرة مرفوعاً وروي مثله عن علي وابن عباس وغيرهما, وممن حكى عنه أنها آية من كل سورة إلا براءة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل في رواية عنه وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام رحمهم الله وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما ليست من آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور وقال الشافعي في قوله في بعض طرق مذهبه هي آية من الفاتحة وليس من غيرها وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة وهما غريبان. وقال داود هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها, وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي, وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله. هذا ما يتعلق بكونها آية من الفاتحة أم لا. فأما الجهر بها فمفرع على هذا, فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها وكذا من قال إنها آية من أولها, وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفاً وخلفاً فجهر بها من الصحابة أبو هريرة وابن عمر وابن عباس ومعاوية وحكاه ابن عبد البر والبيهقي عن عمر وعلي ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهو غريب, ومن التابعين عن سعيد بن جبير وعكرمة وأبي قلابة والزهري وعلي بن الحسن وابنه محمد وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وسالم ومحمد بن كعب القرظي وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وأبي وائل وابن سيرين ومحمد بن المنكدر وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد ونافع مولى ابن عمرو وزيد بن أسلم وعمر بن عبد العزيز والأزرق بن قيس وحبيب بن أبي ثابت وأبي الشعثاء ومكحول وعبد الله بن معقل بن مقرن زاد البيهقي وعبد الله بن صفوان ومحمد بن الحنفية زاد ابن عبد البر وعمر بن دينار والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة فيجهر بها كسائر أبعاضها وأيضاً فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسلمة وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم ثم قال الترمذي: وليس إسناده بذاك. وقد رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ثم قال صحيح, وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كانت قراءته مدّاً ثم قرأ ببسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم. وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته: {بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} وقال الدارقطني إسناده صحيح. وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي والحاكم في مستدركه عن أنس أن معاوية صلى بالمدينة فترك البسملة فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك فلما صلى المرة الثانية بسمل. وفي هذه الأحاديث والاَثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها. فأما المعارضات والروايات الغربية وتطريقها وتعليلها وتضعيفها وتقريرها فله موضع آخر وذهب آخرون أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل وطوائف من سلف التابعين والخلف وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وأحمد بن حنبل. وعند الإمام مالك أنه لا يقرأ البسملة بالكلية لا جهراً ولا سراً واحتجوا بما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين وبما في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين, ولمسلم ولا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها, ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه. فهذه مآخذ الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة وهي قريبة لأنهم أجمعوا على صحة من جهر بالبسملة ومن أسر ولله الحمد والمنة. | |
| | | RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: رد: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:43 pm | |
| فصل في فضلها قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله في تفسيره حدثنا أبي حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني حدثنا سلام بن وهب الجندي حدثنا أبي عن طاوس عن ابن عباس أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {بسم الله الرحمن الرحيم} ؟ فقال: «هو اسم من أسماء الله وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب» وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه عن سليمان بن أحمد عن علي بن المبارك عن زيد بن المبارك به, وقد روى الحافظ بن مردويه من طريقين عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عيسى بن مريم عليه السلام أسلمته أمه إلى الكتّاب ليعلمه, فقال له المعلم: اكتب فقال, ما أكتب ؟ قال بسم الله, قال له عيسى: وما بسم الله ؟ قال المعلم, ما أدري, قال له عيسى: الباء بهاء الله, والسين سناؤه, والميم مملكته, والله إله الاَلهة, والرحمن رحمن الدنيا والاَخرة, والرحيم رحيم الاَخرة» وقد رواه ابن جرير من حديث ابراهيم بن العلاء الملقب زبرِيق عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي مليكة عمن حدثه عن ابن مسعود ومسعر عن عطية عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره, وهذا غريب جداً, وقد يكون صحيحاً إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد يكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات والله أعلم. وقد روى جويبر عن الضحاك نحوه من قبله, وقد روى ابن مردويه من حديث يزيد بن خالد عن سليمان بن بريدة وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن دواد وغيري وهي {بسم الله الرحمن الرحيم}, وروي بإسناده عن عبد الكريم بن المعافى بن عمران عن أبيه عن عمر بن ذر عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: لما نزل {بسم الله الرحمن الرحيم} هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الرياح, وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها, ورجمت الشياطين من السماء, وحلف الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه. وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرا {بسم الله الرحمن الرحيم} فيجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد. ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها» لقول الرجل ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفاً وغير ذلك. وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم. فقلت تعس الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقل تعس الشيطان, فإنك إذا قلت تعس الشيطان تعاظم وقال بقوتي صرعته, وإذا قلت باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب» هكذا وقع في رواية الإمام أحمد, وقد روى النسائي في اليوم والليلة وابن مردويه في تفيسره من حديث خالد الحذاء عن أبي تميمة وهو الهجيمي عن أبي المليح بن أسامة بن عمير عن أبيه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال: «لا تقل هكذا فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت, ولكن قل بسم الله فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة» فهذا من تأثير بركة بسم الله, ولهذا تستحب في أول كل عمل وقول, فتستحب في أول الخطبة لما جاء «كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم» وتستحب البسملة عند دخول الخلاء لما ورد من الحديث في ذلك وتستحب في أول الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن من رواية أبي هريرة وسعيد بن زيد وأبي سعيد مرفوعاً «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» وهو حديث حسن ومن العلماء من أوجبها عند الذكر ههنا ومنهم من قال بوجوبها مطلقاً وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة, وأوجبها آخرون عند الذكر ومطلقاً في قول بعضهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله, وقد ذكره الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيت أهلك فسم الله فإنه إن وجد لك ولد كتب بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات» وهذا لا أصل له ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها, وهكذا تستحب عند الأكل لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: «قل بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك» ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه وكذلك تستحب عند الجماع لما في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً». ومن ههنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قولك بسم الله هل هو اسم أو فعل متقاربان, وكل قد ورد به القرآن, أما من قدره بسم تقديره بسم الله ابتدائي فلقوله تعالى: {وقال اركبوا فيهم بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} ومن قدره بالفعل أمراً أو خبراً نحو أبدأ بسم الله او ابتدأت باسم الله فلقوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وكلاهما صحيح فإن الفعل لا بد له من مصدر فلك أن تقدر الفعل ومصدره وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله إن كان قياماً أو قعوداً أو أكلاً أو شراباً أو قراءة أو وضوءاً أو صلاة فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله تبركاً وتيمناً واستعانة على الإتمام والتقبل والله أعلم, ولهذا روى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أول ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: «يا محمد قل: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم قال: قل {بسم الله الرحمن الرحيم} قال: قال له جبريل بسم الله يا محمد يقول اقرأ بذكر الله ربك وقم واقعد بذكر الله تعالى» لفظ ابن جرير. وأما مسألة الاسم هل هو المسمى أو غيره ففيها للناس ثلاثة أقوال: أحدها أن الاسم هو المسمى, وهو قول أبي عبيدة وسيبويه, واختاره الباقلاني وابن فورك, وقال الرازي وهو محمد بن عمر المعروف بابن خطيب الري في مقدمات تفسيره قالت الحشوية والكرامية والأشعرية: الاسم نفس المسمى وغير نفس التسمية, وقالت المعتزلة الاسم غير المسمى ونفس التسمية, والمختار عندنا أن الاسم غير المسمى وغير التسمية, ثم نقول إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات متقطعة وحروف مؤلفة, فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى, فهذا يكون من باب الإيضاح الواضحات وهوعبث, فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث, ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى, بأنه قد يكون الاسم موجوداً والمسمى مفقوداً كلفظة المعدوم وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعددة كالمترادفة وقد يكون الاسم واحداً والمسميات متعددة المشترك وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى وأيضاً فالاسم لفظ وهو عرض والمسمى قد يكون ذاتاً ممكنة أو واجبة بذاتها وأيضاً فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى لوجد اللافظ بذلك حر النار أو برد الثلج ونحو ذلك ولا يقوله عاقل وأيضاً فقد قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسماً» فهذه أسماء كثيرة والمسمى واحد وهو الله تعالى وأيضاً فقوله: {ولله الأسماء} أضافها إليه كما قال: {فسبح باسم ربك العظيم} ونحو ذلك فالإضافة تقتضي المغايرة وقوله تعالى: {فادعوه بها} أي فادعوا الله بأسمائه وذلك دليل على أنها غيره واحتج من قال الاسم هو المسمى بقوله تعالى: {تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام} والمتبارك هو الله تعالى والجواب أن الاسم معظم لتعظيم الذات المقدسة, وأيضاً فإذا قال الرجل زينب طالق يعني امرأته طلقت ولو كان الاسم غير المسمى لما وقع الطلاق والجواب أن المراد أن الذات المسماة بهذا الاسم طالق. قال الرازي: وأما التسمية فإنه جعل الاسم معيناً لهذه الذات فهي غير الاسم أيضاً والله أعلم. (الله) علم على الرب تبارك وتعالى يقال إنه الاسم الأعظم لأنه يوصف بجميع الصفات كما قال تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هوالرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارى المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له كما قال تعالى: {و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها} وقال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وفي الصحيحن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسماً, مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة» وجاء تعدادها في رواية الترمذي وابن ماجه وبين الروايتين اختلاف زيادة ونقصان وقد ذكر الرازي في تفسيره عن بعضهم أن لله خمسة آلاف اسم : ألف في الكتاب والسنة الصحيحة, وألف في التوارة وألف في الإنجيل, وألف في الزبور وألف في اللوح المحفوظ. وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاق من فعل يفعل فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد لا اشتقاق له وقد نقله القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيره وروى عن الخليل وسيبويه أن الألف واللام فيه لازمة, قال الخطابي: ألا ترى أنك تقول ياألله ولا تقول يا الرحمن, فلولا أنه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام وقيل إنه مشتق واستدلوا عليه بقول رؤبة بن العجاج: لله در الغانيات المدّهسبحن واسترجعن من تألهي فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر وهوالتأله من أله يأله إلاهة وتألهاً كما روي عن ابن عباس أنه قرأ (ويذرك وإلاهتك) قال عبادتك أي أنه كان يعبد ولا يعبد وكذا قال مجاهد وغيره وقد استدل بعضهم على كونه مشتقاً بقوله تعالى: {وهو الله في السموات وفي الأرض} كما قال تعالى {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ونقل سيبويه عن الخليل أن أصله إلاه مثل فعال فأدخلت الاَلف واللام بدلاً من الهمزة قال سيبويه مثل الناس أصله أناس وقيل أصل الكلمة لاه فدخلت الألف واللام للتنظيم وهذا اختيار سيبويه: قال الشاعر: لاه ابن عمك لا أفضلت في حسبعني ولا أنت دياني فتخزوني قال القرطبي بالخاء المعجمة أي فتسوسني, وقال الكسائي والفراء أصله الإله حذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية كما قال تعالى {لكنا هو الله ربي} أي لكن أنا وقد قرأها كذلك الحسن, قال القرطبي: ثم قيل هو مشتق من وله إذا تحير والوله ذهاب العقل: يقال رجل واله وامرأة ولهى ومولوهة إذا أرسل في الصحراء فالله تعالى يحير أولئك والفكر في حقائق صفاته فعلى هذا يكون ولاه فأبدلت الواو همزة كما قالوا في وشاح أشاح ووسادة أسادة وقال الرازي وقيل إنه مشتق من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره, والأرواح لا تفرح إلا بمعرفته لأنه الكامل على الإطلاق دون غيره, قال الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} قال: وقيل من لاه يلوه إذا احتجب وقيل اشتقاقه من أله الفصيل أولع بأمه. والمعنى أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال, قال: وقيل مشتق من أله الرجل يأله إذا فزع من أمر نزل به فألهه أي أجاره فالمجير لجميع الخلائق من كل المضار هو الله سبحانه لقوله تعالى: {وهو يجير ولا يجار عليه} وهو المنعم لقوله تعالى {وما بكم من نعمة فمن الله} وهو المطعم لقوله تعالى: {وهو يطعم ولا يطعم} وهو الموجد لقوله تعالى {قل كل من عند الله} وقد اختار الرازي أنه اسم غير مشتق ألبتة, قال وهو قول الخليل وسيبويه, وأكثر الأصوليين والفقهاء ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه منها أنه لو كان مشتقاً لاشترك في معناه كثيرون, ومنها أن بقية الأسماء تذكر صفات له فتقول الله الرحمن الرحيم الملك القدوس, فدل أنه ليس بمشتق قال فأما قوله تعالى {العزيز الحميد الله} على قراءة الجر فجعل ذلك من باب عطف البيان, ومنها قوله تعالى {هل تعلم له سميّاً} وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامداً غير مشتق نظر والله أعلم. وحكى الرازي عن بعضهم أن اسم الله تعالى عبراني لا عربي ضعفه وهو حقيق بالتضعيف كما قال, وقد حكى الرازي هذا القول ثم قال وأعلم أن الخلائق قسمان واصلون إلى ساحل بحر المعرفة, ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة, فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم, وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال فتاهوا في ميادين الصمدية وبادوا في عرصة الفردانية, فثبت أن الخلائق كلهم والهون في معرفته, وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال لأن الخلق يألهون إليه بفتح اللام وكسرها لغتان, وقيل إنه مشتق من الارتفاع, فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع لاها, وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس لاهت, وقيل إنه مشتق من أله الرجل إذا تعبد وتأله إذ تنسك, وقرأ ابن عباس (ويذرك وإلاهتك) وأصل ذلك الإله فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام الزائدة في أولها للتعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى فصارتا في اللفظ لاماً واحدة مشددة وفخمت تعظيماً فقيل الله. (الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, ورحمن أشد مبالغة من رحيم وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا, وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال: والرحمن: رحمن الدنيا والاَخرة, والرحيم: رحيم الاَخرة, وزعم بعضهم أنه غير مشتق إذ لو كان كذلك لاتصل بذكر المرحوم وقد قال {وكان بالمؤمنين رحيماً} وحكى ابن الانباري في الزاهر عن المبرد أن الرحمن: اسم عبراني ليس بعربي وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى الرحيم عربي والرحمن عبراني فلهذا جمع بينهما قال أبو إسحاق وهذا القول مرغوب عنه وقال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرّجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «قال الله تعالى أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته» قال: وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق, قال وإنكار العرب لاسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له, قال القرطبي: ثم قيل هما بمعنى واحد كندمان ونديم قاله أبو عبيد, وقيل ليس بناء فعلان كفعيل فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل نحو قولك رجل غضبان للرجل الممتلى غضباً, وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول, قال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين قال الله تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيما} وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الاَخر أي أكثر رحمة, ثم حكي عن الخطابي وغيره أنهم استشكلوا هذه الصفة وقالوا لعله أرفق كما في الحديث «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وأنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» وقال ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل يغضب وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يسأل الله يغضب عليه» وقال بعض الشعراء: الله يغضب ان تركت سؤالهوبنيّ آدم حين يسأل يغضب وقال ابن جرير حدثنا السري بن يحيى التميمي حدثنا عثمان بن زفر سمعت العزرمي يقول: الرحمن الرحيم قال: الرحمن لجميع الخلق الرحيم قال بالمؤمنين قالوا ولهذا قال {ثم استوى على العرش الرحمن} وقال {الرحمن على العرش استوى} فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته وقال {وكان بالمؤمنين رحيماً} فخصهم باسمه الرحيم قالوا فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه والرحيم خاصة بالمؤمنين, لكن جاء في الدعاء المأثور رحمن الدنيا والاَخرة ورحيمهما. واسمه تعالى الرحمن خاص به لم يسم به غيره كما قال تعالى {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} ولما تجهرم مسيلمة الكذاب وتسمى برحمن اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب. وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكدّ به والمؤكد لا يكون إلا أقوى من المؤكد والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره ووصفه أولاً بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره كما قال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره قال: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} كما وصف غيره بذلك من أسمائه كما قال تعالى {إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاح نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً} والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم الله والرحمن والخالق والرازق ونحو ذلك فلهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن لأنه أخص وأعرف من الرحيم, لأن التسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص. فإن قيل: فإذا كان الرحمن أشد مبالغة فهلا اكتفى به عن الرحيم, فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن جيء بلفظ الرحيم ليقطع الوهم بذلك فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى, كذا رواه ابن جرير عن عطاء. ووجهه بذلك والله أعلم وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن حتى رد الله عليهم ذلك بقوله {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي اكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} فقالوا لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري وفي بعض الروايات لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وقال تعالى {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً} والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله بالرحمن قال ابن جرير وقد أنشد بعض الجاهلية الجهال: ألا ضربت تلك الفتاة هجينهاألا قضب الرحمن ربي يمينها وقال سلامة بن جندب الطهوي: عجلتم علينا إذ عجلنا عليكموما يشأ الرحمن يعقد ويطلق وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال الرحمن الفعلان من الرحمة هو من كلام العرب وقال {الرحمن الرحيم} الرفيق الرقيق لمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه, وكذلك أسماؤه كلها. وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف عن الحسن قال الرحمن اسم ممنوع. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو الأشهب عن الحسن قال الرحمن اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه تسمى به تبارك وتعالى. وقد جاء في حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته حرفاً حرفاً {بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد الله رب العالمين} فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفة ومنهم من وصلها بقوله {الحمد لله رب العالمين}. وكسرت الميم لالتقاء الساكنين وهم الجمهور, وحكى الكسائي من الكوفيين عن بعض العرب أنها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة فيقولون {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين} فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها كما قُرى قول الله تعالى: {الم الله لا إله إلا هو} قال ابن عطية ولم ترد هذه قراءة عن أحد فيما علمت. ** الْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ القراء السبعة على ضم الدال في قوله الحمد لله هو مبتدأ وخبر. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج أنهما قالا (الحمد لله) بالنصب وهو على إضمار فعل وقرأ ابن أبي عبلة الحمد لله بضم الدال واللام اتباعاً للثاني الأول وله شواهد لكنه شاذ, وعن الحسن وزيد بن علي {الحمد لله} بكسر الدال اتباعاً للأول الثاني. قال أبو جعفر بن جرير معنى {الحمدالله} الشكر لله خالصاً دون سائر ما يعبد من دونه, ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحد, في تصحيح الاَلات لطاعته وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق, وغذاهم من نعيم العيش من غير استحقاق منهم ذلك عليه, ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم, فلربنا الحمد على ذلك كله أولاً وآخراً. وقال ابن جرير رحمه الله: الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال: قولوا الحمد لله. قال وقد قيل أن قول القائل الحمد لله ثناء عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى, وقوله الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلاً من الحمد والشكر مكان الاَخر وقد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية, وقال ابن عباس الحمد لله كلمة كل شاكر, وقد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل الحمد لله شكراً, وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر, لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية, والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون بالجنان واللسان والأركان كما قال الشاعر: أفادتكم النعماء مني ثلاثة:يدي ولساني والضمير المحجبا ولكنهم اختلفوا أيهما أعمّ الحمد أو الشكر على قولين والتحقيق أن بينهما عموماً وخصوصاً فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية, تقول حمدته لفروسيته وحمدته لكرمه وهو أخص, لأنه لا يكون إلا بالقول, والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون بالقول والفعل والنية كما تقدم وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية لا يقال شكرته لفروسيته وتقول شكرته على كرمه وإحسانه إليّ. هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين والله أعلم. وقال أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري: الحمد نقيض الذم, تقول حمدت الرجل أحمده حمداً ومحمدة فهو حميد ومحمود والتحميد أبلغ من الحمد, والحمد أعم من الشكر, وقال في الشكر هو الثناء على المحسن بما أولاه من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح. وأما المدح فهو أعم من الحمد لأنه يكون للحي وللميت وللجماد أيضاً كما يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك ويكون قبل الإحسان وبعده, وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضاً فهو أعم. ذكر أقوال السلف في الحمد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو معمر القطيعي حدثنا حفص عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر رضي الله عنه: قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله, فما الحمد لله, فقال علي: كلمة رضيها الله لنفسه, ورواه غير أبي معمر عن حفص فقال: قال عمر لعلي ـ وأصحابه عنده ـ: لا إله إلا الله وسبحان الله والله أكبر قد عرفناها فما الحمد لله ؟ قال علي: كلمة أحبها الله تعالى لنفسه ورضيها لنفسه وأحب أن تقال, وقال علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران: قال ابن عباس: الحمد لله كلمة الشكر وإذا قال العبد الحمد لله قال: شكرني, عبدي رواه ابن أبي حاتم, وروى أيضاً هو وابن جرير من حديث بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال الحمد لله هو الشكر لله هو الاستخذاء له والإقرار له بنعمته وهدايته وابتدائه وغير ذلك, وقال كعب الأحبار: الحمد لله ثناء الله, وقال الضحاك: الحمد لله رداء الرحمن, وقد ورد الحديث بنحو ذلك. قال ابن جرير: حدثنا سعيد بن عمرو السكوني حدثنا بقية بن الوليد حدثني عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك, وقد روى الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا روح حدثنا عوف عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى فقال: «أما إن ربك يحب الحمد» ورواه النسائي عن علي بن حجر عن ابن علية عن يونس بن عبيد عن الحسن الأسود بن سريع به. وروى أبو عيسى الحافظ الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير عن طلحة بن خراش عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الذكر لا إله إلا الله, وأفضل الدعاء الحمد لله» وقال الترمذي حسن غريب, وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد الله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ» وقال القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله كان الحمد لله أفضل من ذلك» قال القرطبي وغيره أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا لأن ثواب الحمد لله لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى قال الله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً} وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبداً من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله فقالا يا ربنا إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها, قال الله, وهو أعلم بما قال عبده, ماذا قال عبدي ؟ قالا يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما «اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها» وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا قول العبد الحمد لله رب العالمين أفضل من قوله لا إله إلا الله لاشتمال الحمد لله رب العالمين على التوحيد مع الحمد, وقال آخرون لا إله إلا الله أفضل لأنها تفصل بين الإيمان والكفر وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, كما ثبت في الحديث المتفق عليه وفي الحديث الاَخر: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وقد تقدم عن جابر مرفوعاً «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله» وحسنه الترمذي والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث «اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله» الحديث. والرب هو المالك المتصرف ويطلق في اللغة على السيد وعلى المتصرف للإصلاح وكل ذلك صحيح في حق الله ولا يستعمل الرب لغير الله بل بالإضافة تقول: رب الدار, رب كذا, وأما الرب فلا يقال إلا الله عز وجل, وقد قيل إنه الاسم الأعظم. والعالمين جمع عالم وهو كل موجود سوى الله عز وجل والعالم جمع لا واحد له من لفظه, والعوالم أصناف المخلوقات في السموات وفي البر والبحر وكل قرن منها وجيل يسمى عالماً أيضاً. قال بشر بن عمار عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس {الحمد لله رب العالمين} الحمد لله الذي له الخلق كله السموات والأرض وما فيهنّ وما بينهن مما نعلم ومما لا نعلم. وفي رواية سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس: رب الجن والإنس, وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد وابن جريج وروي عن علي نحوه قال ابن أبي حاتم بإسناده لا يعتمد عليه, واستدل القرطبي لهذا القول بقوله تعالى: {ليكون للعالمين نذيراً} وهم الجن والإنس. قال الفراء وأبو عبيد: العالم عبارة عما يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم عالم. وعن زيد بن أسلم وأبي محيصن العالم كل ما له روح ترفرف. وقال قتادة: رب العالمين كل صنف عالم, وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد وهو أحد خلفاء بني أمية وهو يعرف بالجعد ويلقب بالحمار أنه قال خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السموات وأهل الأرض عالم واحد وسائرهم لا يعلمهم إلا الله عز وجل. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {رب العالمين} قال الإنس عالم وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف أو أربعة عشر ألف عالم ـ هو يشك ـ الملائكة على الأرض وللأرض أربع زوايا, في كل زاوية ثلاثة ألاف عالم وخمسمائة عالم خلقهم الله لعبادته. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وهذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الفرات, يعني ابن الوليد, عن معتب بن سمي عن سبيع يعني الحميري في قوله تعالى: {رب العالمين} قال: العالمين ألف أمة فستمائة في البحر وأربعمائة في البر, وحكي مثله عن سعيد بن المسيب وقد روي نحو هذا مرفوعاً كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد حدثني محمد بن عيسى بن كيسان حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قلّ الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها, فسأل عنه فلم يخبر بشيء, فاغتم لذلك, فأرسل راكباً يضرب إلى اليمن وآخر إلى الشام وآخر إلى العراق يسأل هل رؤي من الجراد بشيء, أم لا قال فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد, فألقاها بين يديه فلما رآها كبر ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «خلق الله ألف أمة: ستمائة في البحر وأربعمائة في البر, فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه» محمد بن عيسى هذا وهو الهلالي ضعيف وحكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال لله ألف عالم ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وقال وهب بن منبه لله ثمانية عشر ألف عالم الدنيا عالم منها, وقال مقاتل: العوالم ثمانون ألفاً, وقال كعب الأحبار لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز وجل نقله البغوي. وحكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال إن لله أربعين ألف عالم الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها, وقال الزجاج العالم كل ما خلق الله في الدنيا والاَخرة قال القرطبي: وهذا هو الصحيح إنه شامل لكل العالمين كقوله: {قال فرعون وما رب العالمين ؟ * قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} والعالم مشتق من العلامة (قلت) لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته كما قال ابن المعتز: فيا عجباً كيف يعصى الإلهأم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آيةتدل على أنه واحد ** الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ وقوله تعالى: {الرحمن الرحيم} تقدم الكلام عليه في البسملة بما أغنى عن الإعادة قال القرطبي: إنما وصف نفسه بالرحمن الرحيم بعد قوله رب العالمين ليكون من باب قرن الترغيب بعد الترهيب كما قال تعالى: {نبى عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم} وقوله تعالى: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} قال: فالرب فيه ترهيب والرحمن الرحيم ترغيب وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد». ** مَـَلِكِ يَوْمِ الدّينِ قرأ بعض القراء (ملك يوم الدين) وقرأ آخرون (مالك) وكلاهما صحيح متواتر في السبع, ويقال ملك بكسر اللام وبإسكانها, ويقال مليك أيضاً وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ (ملكي يوم الدين) وقد رجح كلا من القراءتين مرجّحِون من حيث المعنى وكلتاهما صحيحة حسنة, ورجح الزمخشري ملك لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله: {لمن الملك اليوم} وقوله: {قوله الحق وله الملك} وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ: {ملك يوم الدين} على أنه فعل وفاعل ومفعول وهذا شاذ غريب جداً وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئاً غريباً حيث قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الأزدي, حدثنا عبد الوهاب بن عدي بن الفضل عن أبي المطرف عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرؤون (مالك يوم الدين) قال ابن شهاب وأول من أحدث «ملك» مروان (قلت) مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب و لله أعلم. وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها (مالك يوم الدين) ومالك مأخوذ من الملك كما قال تعالى: {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} وقال {قل أعوذ برب الناس ملك الناس} وملك مأخوذ من الملك كما قال تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} وقال {قوله الحق وله الملك} وقال: {الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً} وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين وذلك عامّ في الدنيا والاَخرة, وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئاً ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً} وقال تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً} وقال تعالى: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد} وقال الضحاك عن ابن عباس {مالك يوم الدين} يقول لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدينا, قال: ويوم الدين يوم الحساب للخلائق وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر إلا من عفا عنه, وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف هو ظاهر وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى أن تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته ثم شرع يضعفه والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم وأن كلاً من القائلين هذا القول وبما قبله يعترف بصحة القول الاَخر ولا ينكره, ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا, كما قال تعالى: {الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً} والقول الثاني يشبه قوله تعالى: { ويوم يقول كن فيكون} والله أعلم. والملك في الحقيقة هو الله عز وجل, قال الله تعالى: {هو الله الذي لاإله إلا هو الملك القدوس السلام} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً «أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله} وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟» وفي القرآن العظيم {لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار} فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى: {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً} {وكان وراءهم ملك} {إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا} وفي الصحيحين «مثل الملوك على الأسرة». والدين الجزاء والحساب كما قال تعالى: {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق} وقال {أئنا لمدينون} أي مجزيون محاسبون, وفي الحديث «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» أي حاسب نفسه كما قال عمر رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا, وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}. ** إِيّاكَ نَعْبُدُ وإِيّاكَ نَسْتَعِينُ قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من إياك وقرأ عمرو ابن فايد بتخفيفهامع الكسر وهي قراءة شاذة مردودة لأن إيا ضوء الشمس, وقرأ بعضهم أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء, وقرأ بعضهم هياك بالهاء بدل الهمزة كما قال الشاعر: فهياك والأمر الذي إن تراحبتموارده ضاقت عليك مصادره ونستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم, والعبادة في اللغة من الذلة يقال طريق معبد وبعير معبد أي مذلل وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف. وقدم المفعول وهو إياك وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة, والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين, وهذا كما قال بعض السلف الفاتحة سر القرآن, وسرها هذه الكلمة {إياك نعبد وإياك نستعين} فالأول تبرؤ من الشرك, والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل, وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى: {فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون}, {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا}, {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} وكذلك هذه الاَية الكريمة {إياك نعبد وإياك نستعين} وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب وهو مناسبة لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك وهو قادر عليه كما جاء في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} قال الله حمدني عبدي, وإذا قال {الرحمن الرحيم} قال الله أثنى علي عبدي, فإذا قال {مالك يوم الدين} قال الله مجدني عبدي, وإذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل, فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما {إياك نعبد} يعني إياك نوحد ونخاف ونرجوك يا ربنا لا غيرك {وإياك نستعين} على طاعتك وعلى أمورنا كلها وقال قتادة {إياك نعبد وإياك نستعين} يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أموركم وإنما قدم {إياك نعبد} على {وإياك نستعبن} لأن العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والاهتمام والحزم تقديم ما هو الأهم فالأهم والله أعلم. فإن قيل: فما معنى النون في قوله تعالى: {إياك نعيد وإياك نستعين} فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بخير, ومنهم قال يجوز أن تكون للتعظيم كأن العبد له قيل إذا كنت داخل العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل {إياك نعبد وإياك نستعين} وإن كنت خارج العبادة فلا تقل نحن ولا فعلنا ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لاحتياج الجميع إلى الله عز وجل وفقرهم إليه. ومنهم من قال إياك نعبد ألطف في التواضع من إياك عبدنا لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعله نفسه وحده أهلاً لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ولا يثني عليه كما يليق به, والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى كما قال بعضهم: لا تدعني إلا بيا عبدهافإنه أشرف أسمائي وقد سمى الله رسولهصلى الله عليه وسلم بعبده في أشرف مقاماته فقال: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} {وأنه لما قام عبد الله يدعوه}, {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} فسماه عبداً عند إنزاله عليه وعند قيامه في الدعوة وإسرائه به وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين حيث يقول: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وقد حكى الرازي في تفسيره عن بعضهم أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق, قال ولأن الله يتولى مصالح عبده والرسول يتولى مصالح أمته, وهذا القول خطأ والتوجيه أيضاً ضعيف لا حاصل له ولم يتعرض له الرازي بتضعيف ولا رد, وقال بعض الصوفية العبادة إما لتحصيل ثواب أو درء عقاب, قالوا وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده, وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى وهذا أيضاً عندهم ضعيف, بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال, قالوا ولهذا يقول المصلي: أصلي لله, ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العقاب لبطلت الصلاة وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا: كون العبادة لله عز وجل لا ينافي أن يطلب معها ثواباً ولا أن يدفع عذاباً كما قال ذلك الأعرابي: أما أني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم «حولها ندندن». ** اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ قراءة الجمهور بالصاد وقرى السراط وقرى بالزاي, قال الفراء: وهي لغة بني عذرة وبني كلب لما تقدم الثناء على المسؤول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال: «فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل» وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسؤوله ثم يسأل حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: {اهدنا الصراط المستقيم} لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة, ولهذا أرشد الله إليه لأنه الأكمل وقد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل واحتياجه كما قال موسى عليه السلام {رب إنّي لما أنزلت إلي من خير فقير} وقد تقدمه مع ذلك وصف مسؤول كقول ذي النون {لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} وقد يكون بمجرد الثناء على المسؤول كقول الشاعر: أأذكر حاجتي أم قد كفانيحياؤك إن شيمتك الحياء إذا أثنى عليك المرء يوماًكفاه من تعرضه الثناء والهداية ههنا والإرشاد والتوفيق, وقد تعدى الهداية بنفسها كما هنا {اهدنا الصراط المستقيم} فتضمن معنى ألهمنا أو وفقنا أو ارزقنا أو أعطنا {وهديناه النجدين} أي بينا له الخير والشر, وقد تعدى بإلى كقوله تعالى: {اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم} {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة وكذلك قوله {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقد تعدى باللام كقول أهل الجنة {الحمد لله الذي هدانا لهذا} أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلاً. وأما الصراط المستقيم فقال الإمام أبو جعفر بن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعاً على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه وذلك في لغة العرب فمن ذلك قال جرير بن عطية الخطفي:[/font | |
| | | RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: رد: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:44 pm | |
| سورة البقرة (ذكر ما ورد في فضلها) قال الإمام أحمد حدثنا عارم حدثنا معتمر عن أبيه عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «البقرة سنام القرآن وذروته. نزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً واستخرجت {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} من تحت العرش فوصلت بها أو فوصلت بسورة البقرة, ويس قلب القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الاَخرة إلا غفر له واقرؤوها على موتاكم» انفرد به أحمد وقد رواه أحمد أيضاً عن عارم عن عبد الله بن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي عثمان ـ وليس بالنهدي ـ عن أبيه عن معقل بن يسار قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقرؤوها على موتاكم» يعني يس ـ فقد تبين بهذا الإسناد معرفة المبهم في الرواية الأولى. وقد أخرج هذا الحديث على هذه الصفة في الرواية الثانية أبو داود والنسائي وابن ماجه, وقد روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير وفيه ضعف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لكل شيءٍ سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي» وفي مسند أحمد وصحيح مسلم والترمذي والنسائي من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان» وقال الترمذي: حسن صحيح وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثني ابن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه» سنان بن سعد ويقال بالعكس وثقه ابن معين واستنكر حديثه أحمد بن حنبل وغيره. وقال أبو عبيد حدّثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص عن عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ رضي الله عنه قال: إن الشيطان يفرّ من البيت يسمع فيه سورة البقرة. ورواه النسائي في اليوم والليلة وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث شعبة ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا ألفين أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى ويدع سورة البقرة يقرؤها فإن الشيطان يفر من البيت تقرأ فيه سورة البقرة وإن أصغر البيوت الجوف الصفر من كتاب الله» وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن محمد بن نصر عن أيوب بن سليمان به. وروى الدارمي في مسنده عن ابن مسعود قال: ما من بيت تقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضراط. وقال إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن سورة البقرة وإن لكل شيء لباباً وإن لباب القرآن المفصل. وروى أيضاً من طريق الشعبي قال: قال عبد الله بن مسعود من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة, أربع من أولها وآية الكرسي, وآيتان بعدها, وثلاث آيات من آخرها, وفي رواية لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان, ولا شيء يكرهه, ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق. وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن لكل شيء سناماً وإن سنام القرآن البقرة وإن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ومن قرآها في بيته نهاراً لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام» رواه أبو القاسم الطبراني وأبو حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه من حديث الأزرق بن علي حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا خالد بن سعيد المدني عن أبي حازم عن سهل به. وعند خالد بن حبان بن سعيد المديني. وقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً وهم ذوو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل واحد منهم ما معه من القرآن فأتى على رجل من أحدثهم سناً فقال ما معك يا فلان فقال معي كذا وكذا وسورة البقرة. فقال أمعك سورة البقرة ؟ قال نعم قال: اذهب فأنت أميرهم» فقال رجل من أشرافهم والله ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا أني خشيت أن لا أقوم بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعلموا القرآن واقرؤوه فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأ وقام به كمثل جراب محشو مسكاً يفوح ريحه في كل مكان ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكى على مسك» هذا لفظ رواية الترمذي ثم قال هذا حديث حسن ثم رواه من حديث الليث عن سعيد عن عطاء مولى أبي أحمد مرسلاً فالله أعلم. قال البخاري: وقال الليث حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة ـ وفرسه مربوطة عنده ـ إذ جالت الفرس, فسكت فسكنت, فقرأ فجالت الفرس, فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس, فانصرف, وكان ابنه يحيى قريباً منها ـ فأشفق أن تصيبه فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها, فلما أصبح حدّث النبي صلى الله عليه وسلم فقال «اقرأ يا ابن حضير» قال: قد أشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريباً فرفعت رأسي وانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها قال «وتدري ما ذاك ؟» قال لا قال «تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم» وهكذا رواه الإمام العالم أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن عن عبد الله بن صالح, ويحيى بن بكير عن الليث به. وقد روي من وجه آخر عن أسيد بن حضير كما تقدم والله أعلم. وقد وقع نحو من هذا لثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه وذلك فيما رواه أبو عبيد حدثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدّثوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح قال «فلعله قرأ سورة البقرة» قال: فسألت ثابتاً فقال: قرأت سورة البقرة» وهذا إسناد جيد إلا أن فيه إبهاماً ثم هو مرسل والله أعلم. (ذكر ما ورد في فضلها مع آل عمران) قال الإمام أحمد حدّثنا أبو نعيم حدّثنا بشر بن مهاجر حدّثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول «تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة» قال ثم سكت ساعة ثم قال «تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صوّاف وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له هل تعرفني ؟ فيقول: ما أعرفك فيقول أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حلتان لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان بما كسينا هذا فيقال بأخذ ولدكما القرآن ثم يقال اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها فهو في صعود ما دام يقرأ هذّاً كان أو ترتيلاً» وروى ابن ماجه من حديث بشر بن المهاجر بعضه وهذا إسناد حسن على شرط مسلم فإن بشراً هذا خرج له مسلم ووثقه ابن معين وقال النسائي: ما به بأس إلا أن الإمام أحمد قال فيه هو منكر الحديث قد اعتبرت أحاديثه فإذا هي تأتي بالعجب وقال البخاري: يخالف في بعض حديثه وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به وقال ابن عدي: روى ما لا يتابع عليه وقال الدارقطني: ليس بالقوي (قلت) ولكن لبعضه شواهد فمن ذلك حديث أبي أمامة الباهلي قال الإمام أحمد حدّثنا عبد الملك بن عمر حدّثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اقرؤوا القرآن فإنه شافع لأهله يوم القيامة اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان طير صواف يحاجان عن أهلهما يوم القيامة ثم قال اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة» وقد رواه مسلم في الصلاة من حديث معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي به الزهراوان: المنيرتان, والغياية: ما أظلك من فوقك, والفِرْقُ: القطعة من الشيء, والصواف المصطفة المتضامة, والبطلة السحرة, ومعنى لا تستطيعها أي لا يمكنهم حفظها وقيل لا تستطيع النفوذ في قارئها والله أعلم. ومن ذلك حديث النواس بن سمعان قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن عبد ربه حدّثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الوليد بن عبد الرحمن الجُرَشي عن جبير بن نفير قال: سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران» وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال «كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما» ورواه مسلم عن إسحاق بن منصور عن يزيد بن عبدربه به, والترمذي من حديث الوليد بن عبد الرحمن الجرشي به وقال حسن غريب, وقال أبو عبيد: حدّثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير قال: قال حماد أحسبه عن أبي منيب عن عمه أن رجلاً قرأ البقرة وآل عمران فلما قضى صلاته قال له كعب أقرأت البقرة وآل عمران ؟ قال: نعم قال: فوالذي نفسي بيده إن فيهما اسم الله الذي إذا دعي به استجاب. قال فأخبرني به قال: لا والله لا أخبرك به ولو أخبرتك به لأوشكت أن تدعوه بدعوة أهلك فيها أنا وأنت, وحدّثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن سليم بن عامر أنه سمع أبا أمامة يقول: إن أخاً لكم أري في المنام أن الناس يسلكون في صدع جبل وَعِرٍ طويل وعلى رأس الجبل شجرتان خضراوان يهتفان هل فيكم قارى يقرأ سورة البقرة ؟ وهل فيكم قارى يقرأ سورة آل عمران ؟ قال فإذا قال الرجل نعم دنتا منه بأعذاقهما حتى يتعلق بهما فيخطران به الجبل, وحدّثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن أبي عمران أنه سمع أم الدرداء تقول: إن رجلاً ممن قرأ القرآن أغار على جار له فقتله وإنه أقيد به فقتل فما زال القرآن ينسل منه سورة سورة حتى بقيت البقرة وآل عمران جمعة ثم إن آل عمران انسلت منه وأقامت البقرة جمعة فقيل لها {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} قال فخرجت كأنها السحابة العظيمة قال أبو عبيد أراه يعنى أنهما كانتا معه في قبره يدفعان عنه ويؤنسانه فكانتا من آخر ما بقي معه من القرآن. وقال أيضاً حدثنا أبو مسهر الغسّاني عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يحدث أنه من قرأ البقرة وآل عمران في يوم بري من النفاق حتى يمسي ومن قرأهما في ليلة بري من النفاق حتى يصبح قال فكان يقرؤها كل يوم وليلة سوى جزئه. وحدّثنا عن ورقاء بن إياس عن سعيد بن جبير قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كان ـ أو كتب ـ من القانتين فيه انقطاع ولكن ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله وآله وسلم قرأ بهما في ركعة واحدة. ذكر ما ورد في فضل السبع الطوال قال أبو عبيد حدّثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي عن محمد بن شعيب عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت السبع الطوال مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل» هذا حديث غريب وسعيد بن أبي بشير وفيه لين وقد رواه أبو عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث عن سعيد بن أبي هلال قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره والله أعلم ثم قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن حبيب بن هند الأسلمي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أخذ السبع فهو حبر» وهذا أيضاً غريب وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي وروى عنه عمرو بن عمرو وعبد الله بن أبي بكرة وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحاً فا لله أعلم. وقد رواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود وحسين كلاهما عن إسماعيل بن جعفر به, ورواه أيضاً عن أبي سعيد عن سليمان بن بلال عن حبيب بن هند عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال«من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر» قال أحمد: وحدّثنا حسين حدثنا ابن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال عبد الله بن أحمد: وهذا أرى فيه عن أبيه عن الأعرج ولكن كذا كان في الكتاب فلا أدري أغفله أبي أو كذا هو مرسل وروى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً وهم ذوو عدد وقدم عليهم أحدثهم سناً لحفظه سورة البقرة وقال له: «اذهب فأنت أميرهم» وصححه الترمذي ثم قال أبو عبيد: حدّثنا هشيم أنبأ أبو بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} قال هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس قال وقال مجاهد هي السبع الطوال وهكذا قال مكحول وعطية بن قيس وأبو محمد الفارسي وشداد بن أوس ويحيى بن الحارث الذماري في تفسير الاَية بذلك وفي تعدادها وإنّ يونس هي السابعة. (فصل) والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف وهي من أوائل ما نزل بها لكن قوله تعالى فيه {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} الاَية يقال إنها آخر ما نزل من القرآن ويحتمل أن تكون منها وكذلك آيات الربا من آخر ما نزل وكان خالد بن معدان يسمي البقرة فسطاط القرآن, قال بعض العلماء وهي مشتملة على ألف خبر وألف أمر وألف نهي, وقال العادّون آياتها مائتان وثمانون وسبع آيات وكلماتها ستة آلاف كلمة ومائتان وإحدى وعشرون كلمة وحروفها خمسة وعشرون ألفاً وخمسمائة حرف فا لله أعلم. قال ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس نزلت بالمدينة سورة البقرة, وقال خصيف عن مجاهد عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة, وقال الواقدي حدّثني الضحاك بن عثمان عن أبي الزناد بن خارجة بن ثابت عن أبيه قال نزلت البقرة بالمدينة وهكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء والمفسرين ولا خلاف فيه. وقال ابن مردويه حدّثنا محمد بن معمر حدّثنا الحسن بن علي بن الوليد الفارسي حدّثنا خلف بن هشام وحدّثنا عيسى بن ميمون عن موسى بن أنس بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاتقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها آل عمران وكذا القرآن كله» هذا حديث غريب لا يصح رفعه وعيسى بن ميمون هذا هو أبو سلمة الخواص وهو ضعيف الرواية لا يحتج به وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال هذا المقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة أخرجاه, وروى ابن مردويه من حديث شعبة عن عقيل بن طلحة عن عتبة بن مرثد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه تأخراً فقال «يا أصحاب سورة البقرة» وأظن هذا كان يوم حنين يوم ولوا مدبرين أمر العباس فناداهم «يا أصحاب الشجرة» يعني أهل بيعة الرضوان وفي رواية «يا أصحاب سورة البقرة» لينشطهم بذلك فجعلوا يقبلون من كل وجه وكذلك يوم اليمامة مع أصحاب مسيلمة جعل الصحابة يفرون لكثافة جيش بني حنيفة فجعل المهاجرون والأنصار يتنادون يا أصحاب سورة البقرة حتى فتح الله عليهم رضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين. بِسْمِ اللّهِ الرّحْمـَنِ الرّحِيمِ ** الَمَ قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردّوا علمها إلى الله ولم يفسروها حكاه القرطبي في تفسيره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين, وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور. قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحيحن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة {الم} السجدة و{هل أتى على الإنسان}, وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الم, وحم, والمص, وص. فواتح افتتح الله بها القرآن, وكذا قال غيره عن مجاهد وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال: الم اسم من أسماء القرآن وهكذا قال قتادة وزيد بن أسلم ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه اسم من أسماء السورة فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن فإنه يبعد أن يكون المص اسماً للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول: قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم. وقيل هي اسم من أسماء الله تعالى فقال الشعبي فواتح السور من أسماء الله تعالى وكذلك قال سالم بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير وقال شعبة عن السدي: بلغني أن ابن عباس قال: الم اسم من أسماء اللهالأعظم. هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن شعبة قال: سألت السدي عن حم وطس والم فقال ابن عباس: هي اسم الله الأعظم وقال ابن جرير وحدثنا محمد بن المثنى حدّثنا أبو النعمان حدّثنا شعبة عن إسرائيل السدي عن مرة الهمداني قال: قال عبد الله فذكر نحوه. وحكى مثله عن علي وابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة أنه قال الم قسم. ورويا أيضاً من حديث شريك بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس, الم قال أنا الله أعلم, وكذا قال سعيد بن جبير وقال السدي عن أبي مالك. وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الم قال: أما الم فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى الم قال: هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفاً دارت فيها الألسن كلها ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه, وليس منها حرف إلا وهو من آلائه, وبلائه: وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم. قال عيسى ابن مريم عليه السلام وعجب: فقال أعجب أنهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه فكيف يكفرون به, فالألف مفتاح اسم الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله, الألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون سنة. هذا لفظ ابن أبي حاتم. ونحوه رواه ابن جرير ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الاَخر وأن الجمع ممكن فهي أسماء للسور ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته كما افتتح سوراً كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه, قال ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله وعلى صفة من صفاته وعلى مدة وغير ذلك كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية لأن الكلمة الواحدة تطلق على معاني كثيرة كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين كقوله تعالى {إنا وجدنا آباءنا على أمة} وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله كقوله تعالى {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفاً ولم يك من المشركين} وتطلق ويراد بها الجماعة كقوله تعالى {وجد عليه أمة من الناس يسقون} وقوله تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً} تطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله تعالى {وقال الذي نجا منهما وادّكر بعد أمة} أي بعد حين على أصح القولين قال فكذلك هذا. هذا حاصل كلامه موجهاً ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا وعلى هذا معاً ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الإصلاح إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول ليس هذا موضع البحث فيها والله أعلم. ثم إن لفظة الأمة تدل على كل من معانيها في سياق الكلام بدلالة الوضع فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الاَخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف, والمسألة مختلف فيها وليس فيها إجماع حتى يحكم به وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا كما قال الشاعر: قلنا قفي لنا فقالت قافلا تحسبي أنا نسينا الإيجاف تعني وقفت وقال الاَخر: ما للظليم عال كيف لا ياينقد عنه جلده إذا يا فقال ابن جرير كأنه أراد أن يقول إذا يفعل كذا وكذا فاكتفى بالياء من يفعل وقال الاَخر: بالخير خيرات وإن شراً فاولا أريد الشر إلا أن تا يقول وإن شراً فشراً ولا أريد الشر إلا أن تشاء فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام والله أعلم. قال القرطبي وفي الحديث «من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة» الحديث قال سفيان هو أن يقول في اقتل «اق». وقال خصيف عن مجاهد أنه قال فواتح السور كلها (ق وص وحم وطسم والر) وغير ذلك هجاء موضوع وقال بعض أهل العربية: هي حروف من حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفاً كما يقول القائل: ابني يكتب في ـ ا ب ت ث ـ أي في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها حكاه ابن جرير. قلت مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفاً وهي ـ ا ل م ص ر ك هـ ي ع ط س ح ق ن ـ يجمها قولك: نص حكيم قاطع له سر. وهي نصف الحروف عدداً والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف: قال الزمخشري وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة, ومن الرخوة والشديدة, ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة, ومن حروف القلقلة. وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته. وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله ومن ههنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلاماً فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثاً ولا سدى, ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلية فقد أخطأ خطأً كبيراً, فتعين أن لها معنى في نفس الأمر فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا {آمنا به كل من عند ربنا} ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين وإنما اختلفوا فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه وإلا فالوقف حتى يتبين هذا المقام. المقام الاَخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها, فقال بعضهم إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور حكاه ابن جرير وهذا ضعيف لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه وفيما ذكرت فيه البسملة تلاوة وكتابة وقال آخرون بل ابتدى بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلا عليهم المؤلف منه حكاه ابن جرير أيضاً وهو ضعيف لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها بل غالبها وليس كذلك أيضاً لانبغىَ الابتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطاباً للمشركين فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه. وقال آخرون بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكره فيها بياناً لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها, وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين, وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا, وقرره الزمخشري في كشافه ونصره أتم نصر, وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو العجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية. قال الزمخشري ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة وكرر التحدي بالصريح في أماكن قال وجاء منها على حرف واحد كقوله ـ ص ن ق ـ وحرفين مثل {حم} وثلاثة مثل {الم} وأربعة مثل {المر} و {المص} وخمسة مثل {كهيعص ـ و ـ حمعسق} لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك (قلت) ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ولهذا يقول تعالى {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} {الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه} {المص * كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه} {الر * كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} {حم * تنزيل من الرحمن الرحيم} {حم * عسق * كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم} وغير ذلك من الاَيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم. وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له, وطار في غير مطاره, وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال مر أبو ياسر بن أخطب في رجال في يهود برسول الله وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} فأتى أخاه حي بن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} فقال أنت سمعته قال نعم قال فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك {الم * ذلك الكتاب} ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بلى» فقالوا جاءك بهذا جبريل من عند الله ؟ فقال «نعم» قالوا لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بيّن لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك. فقام حي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هل مع هذا غيره فقال نعم, قال ما ذاك ؟ قال «المص» قال هذا أثقل وأطول, الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد سبعون فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة. هل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال: نعم, قال ما ذاك ؟ قال الر. قال هذا أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون ومائتان سنة. فهل مع هذا يا محمد غيره ؟ قال «نعم» قال ماذا قال «المر» قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون ومائتان ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً. ثم قال قوموا عنه, ثم قال أبو ياسر لأخيه حي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع سنين ؟ فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الاَيات نزلت فيهم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات} فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحاً أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم والله أعلم. ** ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتّقِينَ قال ابن جريج قال ابن عباس ذلك الكتاب أي هذا الكتاب وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم وابن جريج أن ذلك بمعنى هذا والعرب تعارض بين اسمي الإشارة فيستعملون كلاً منهما مكان الاَخر وهذا معروف في كلامهم وقد حكاه البخاري عن معمر بن المثنى عن أبي عبيدة وقال الزمخشري ذلك إشارة إلى {الم} كما قال تعالى {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك} وقال تعالى {ذلك حكم الله يحكم بينكم} وقال {ذلكم الله} وأمثال ذلك مما أشير به إلى ما تقدم ذكره والله أعلم. وقد ذهب بعض المفسرين فيما حكاه القرطبي وغيره أن ذلك إشارة إلى القرآن الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بإنزاله عليه أو التوراة أو الإنجيل أو نحو ذلك في أقوال عشرة. وقد ضعف هذا المذهب كثيرون والله أعلم. والكتاب القرآن ومن قال: إن المراد بذلك الكتاب الإشارة إلى التوراة والإنجيل كما حكاه ابن جرير وغيره فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع وتكلف ما لا علم له به. والريب الشك قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا ريب فيه} لا شك فيه وقال أبو الدرداء وابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك ونافع مولى ابن عمر وعطاء وأبو العالية والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان والسدي وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد وقال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذه خلافاً. وقد يستعمل الريب في التهمة قال جميل: بثينة قالت يا جميل أربتنيفقلت كلانا يا بثين مريب واستعمل أيضاً في الحاجة كما قال بعضهم: قضينا من تهامة كل ريبوخيبر ثم أجمعنا السيوفا ومعنى الكلام هنا أن هذا الكتاب هو القرآن لا شك فيه أنه نزل من عند الله كما قال تعالى في السجدة {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} وقال بعضهم هذه خبر ومعناه النهي أي لا ترتابوا فيه. ومن القراء من يقف على قوله تعالى {لا ريب} ويبتدى بقوله تعالى {فيه هدى للمتقين} والوقف على قوله تعالى {لا ريب فيه} أولى للاَية التي ذكرناها ولأنه يصير قوله تعالى {هدى} صفة للقرآن وذلك أبلغ من كون فيه هدى, وهدى يحتمل من حيث العربية أن يكون مرفوعاً على النعت ومنصوباً على الحال وخصت الهداية للمتقين كما قال {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد} {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً} إلى غير ذلك من الاَيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن لأنه هو في نفسه هدى ولكن لا يناله إلا الأبرار كما قال تعالى {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} وقد قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {هدى للمتقين} يعني نوراً للمتقين وقال أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: هدى للمتقين قال هم المؤمنون الذين يتقون الشرك بي ويعملون بطاعتي وقال محمد بن إسحاق: عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {للمتقين} قال الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال سفيان الثوري عن رجل عن الحسن البصري قوله تعالى للمتقين قال: اتقوا ما حرم الله عليهم وأدّوا ما افترض عليهم, وقال أبو بكر بن عياش سألني الأعمش عن المتقين قال فأجبته فقال لي سل عنها الكلبي فسألته فقال الذين يجتنبون كبائر الإثم قال فرجعت إلى الأعمش فقال يرى أنه كذلك ولم ينكره. وقال قتادة للمتقين هم الذين نعتهم الله بقوله {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة} الاَية والتي بعدها, واختيار ابن جرير أن الاَية تعم ذلك كله وهو كما قال. وقد روى الترمذي وابن ماجه من رواية أبي عقيل عن عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس عن عطية السعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً مما به بأس» ثم قال الترمذي حسن غريب وقال ابن أبي حاتم حدّثنا أبي حدّثنا عبد الله بن عمران عن إسحاق بن سليمان يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم عنميمون أبي حمزة قال: كنت جالساً عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف ألا تحدّثنا عن معاذ بن جبل قال بلى سمعته يقول يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد فينادي مناد أين المتقون ؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت من المتقون قال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة فيمرون إلى الجنة. ويطلق الهدى ويراد به ما يقرّ في القلب من الإيمان وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عز وجل قال الله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت} وقال {ليس عليك هداهم} وقال {من يضلل الله فلا هادي له} وقال {من يهد الله فهو المهتد * ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً} إلى غير ذلك من الاَيات ويطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه والدلالة عليه والإرشاد قال الله تعالى {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقال {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} وقال تعالى {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} وقال {وهديناه النجدين} على تفسير من قال المراد بهما الخير والشر وهو الأرجح والله أعلم وأصل التقوى التوقي مما يكره لأن أصلها وقوى من الوقاية قال النابغة: سقط النصيف ولم ترد إسقاطهفتناولته واتقتنا باليد وقال الاَخر: فألفت قناعاً دونه الشمس واتقتبأحسن موصولين كف ومعصم وقد قيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له أما سلكت طريقاً ذا شوك ؟ قال بلى, قال فما عملت قال شمرت واجتهدت قال فذلك التقوى. وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال: [size=16] خل الذنوب صغيرهاو كبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةإنّ الجبال من الحصى وأنشد أبو الدرداء يوماً: يريد المرء أن يؤتى مناهويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي وماليوتقوى الله أفضل ما استفادا وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول لله صلى الله عليه وسلم «ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيراً من زوجة صالحة إن نظر إليها سرته, وإن أمرها أطاعته, وإن أقسم عليها أبرته, وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله».
** الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال أبو جعفر الرازي عن العلاء بن المسيب بن رافع عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: الإيمان التصديق, وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما يؤمنون يصدّقون وقال معمر عن الزهري: الإيمان العمل, وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس يؤمنون يخشون.
قال ابن جرير: والأولى أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولاً وعملاً واعتقاداً وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل, والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل (قلت) أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك كما قال تعالى {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} وكما قال إخوة يوسف لأبيهم {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال كقوله تعالى {إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات} فأما إذا استعمل مطلقاً فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً. هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وغير واحد إجماعاً: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنّة. ومنهم من فسره بالخشية كقوله تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} وقوله: {من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب} والخشية خلاصة الإيمان والعلم كما قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماءُ} وقال بعضهم يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة وليسوا كما قال تعالى عن المنافقين {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون} وقال: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} فعلى هذا يكون قوله بالغيب حالاً أي في حال كونهم غيباً عن الناس. وأما الغيب المراد ههنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد, قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قوله تعالى: {يؤمنون بالغيب} قال ويؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاَخر وجنته وناره ولقائه ويؤمنون بالحياة بعد الموت وبالبعث, فهذا غيب كله. وكذا قال قتادة بن دعامة وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أما الغيب فما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن, وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بالغيب قال بما جاء منه ـ يعني من الله تعالى ـ وقال سفيان الثوري عن عاصم عن زر قال: الغيب القرآن وقال عطاء بن أبي رباح من آمن بالله فقد آمن بالغيب وقال إسماعيل بن أبي خالد يؤمنون بالغيب قال: بغيب الإسلام وقال زيد بن أسلم: الذين يؤمنون بالغيب قال: بالقدر. فكل هذه متقاربة في معنى واحد لأن جميع المذكورات من الغيب الذي يجب الإيمان به. وقال سعيد بن منصور: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما سبقونا به فقال عبد الله: إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بيّناً لمن رآه والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ {الم, ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ـ إلى قوله ـ المفلحون} وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه من طرق عن عن الأعمش به. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وفي معنى هذا الحديث الذي رواه أحمد حدثنا أبو المغيرة أنبأ الأوزاعي حدّثني أسد بن عبد الرحمن عن خالد بن دريك عن ابن محيريز قال قلت لأبي جمعة حدّثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم أحدّثك حديثاً جيّداً: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح قال: يا رسول الله هل أحد خير منا ؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك. قال «نعم قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني» طريق أخرى قال أبو بكر بن مردويه في تفسيره حدّثنا عبد الله بن جعفر حدّثنا إسماعيل عن عبد الله بن مسعود حدّثنا عبد الله بن صالح حدّثنا معاوية بن صالح عن صالح بن جبير قال قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس يصلي فيه ومعنا يؤمئذٍ رجاء بن حيوة رضي الله عنه فلما انصرف خرجنا نشيعه فلما أراد الانصراف قال إن لكم جائزة وحقاً أحدّثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: هات رحمك الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منكم أجراً ؟ آمنا بالله واتبعناك, قال: «ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين يؤمنون به ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجراً مرتين» ثم رواه من حديث ضمرة بن ربيعة عن مرزوق بن نافع عن صالح بن جبير عن أبي جمعة بنحوه. وهذا الحديث فيه دلالة على العمل بالوجادة التي اختلف فيها أهل الحديث كما قررته في أول شرح البخاري لأنه مدحهم على ذلك وذكر أنهم أعظم أجراً من هذه الحيثية لا مطلقاً وكذا الحديث الاَخر الذي رواه الحسن بن عرفة العبدي حدثنا إسماعيل بن عياش الحمصي عن المغيرة بن قيس التميمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أي الخلق أعجب إليكم إيماناً ؟ قالوا الملائكة قال «وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم» ؟ قالوا فالنبيون قال « وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ قالوا فنحن قال: «وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم» ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن أعجب الخلق إليّ إيماناً لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفاً فيها كتاب يؤمنون بما فيها» قال أبو حاتم الرازي: المغيرة بن قيس البصري منكر الحديث (قلت) ولكن قد روى أبو يعلى في مسنده وابن مردويه في تفسيره والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن حميد ـ وفيه ضعف ـ عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله أو نحوه وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد روى نحوه عن أنس بن مالك مرفوعاً والله أعلم, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن محمد المسندي حدثنا إسحاق بن إدريس أخبرني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن سلمة الأنصاري أخبرني جعفر بن محمود عن جدته نويلة بنت أسلم قالت صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام قال إبراهيم فحدثني رجال من بني حارثة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك قال: «أولئك قوم آمنوا بالغيب» هذا حديث غريب من هذا الوجه.
وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَممّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
قال ابن عباس ويقيمون الصلاة أي يقيمون الصلاة بفروضها وقال الضحاك عن ابن عباس إقامة ال | |
| | | RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: رد: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:46 pm | |
| ** إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ يقول تعالى: {إن الذين كفروا} أي غطوا الحق وستروه وقد كتب الله تعالى عليهم ذلك سواء عليهم إنذارك وعدمه فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به. كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} وقال تعالى في حق المعاندين من أهل الكتاب {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك} الاَية, أي إن من كتب الله عليه الشقاوة فلا مسعد له ومن أضله فلا هادي له فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وبلغهم الرسالة فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر ومن تولى فلا تحزن عليهم ولا يهمنك ذلك {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب * إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل} وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول, وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {إن الذين كفروا} أي بما أنزل إليك وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} أي إنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق وقد كفروا بما جاءك وبما عندهم مما جاءهم به غيرك فكيف يسمعون منك إنذاراً وتحذيراً وقد كفروا بما عندهم من علمك, قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال نزلت هاتان الاَيتان في قادة الأحزاب وهم الذين قال الله فيهم: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها} والمعنى الذي ذكرناه أولاً وهو المروي عن ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة أظهر, ويفسر ببقية الاَيات التي في معناها, والله أعلم. وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثاً فقال: حدثنا أبي حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري حدثنا ابن لهيعة حدثني عبد الله بن المغيرة عن أبي الهيثم عن عبد الله بن عمرو وقال قيل يا رسول الله (إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نيأس) فقال: «ألا أخبركم» ثم قال: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} «هؤلاء أهل النار» قالوا لسنا منهم يا رسول الله, قال «أجل» وقوله تعالى: {لا يؤمنون} محله من الإعراب أنه جملة مؤكدة للتي قبلها {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} أي هم كفار في كلا الحالين فلهذا أكد ذلك بقوله تعالى: {لا يؤمنون} ويحتمل أن يكون لا يؤمنون خبراً لأن تقديره إن الذين كفروا لا يؤمنون ويكون قوله تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} جملة معترضة, والله أعلم. ** خَتَمَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهمْ وَعَلَىَ سَمْعِهِمْ وَعَلَىَ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ قال السدي ختم الله أي طبع الله وقال قتادة في هذه الاَية استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون, وقال ابن جريج: قال مجاهد ختم الله على قلوبهم قال الطبع ثبتت الذنوب على القلب فحفت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم. قال ابن جريج الختم على القلب والسمع قال ابن جريج وحدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهداً يقول: الران أيسر من الطبع, والطبع أيسر من الإقفال, والإقفال أشد من ذلك كله, وقال الأعمش أرانا مجاهد بيده فقال كانوا يرون أن القلب في مثل هذه يعني الكف, فإذا أذنب العبد ذنباً ضم منه وقال بأصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب ضم وقال بأصبع أخرى فإذا أذنب ضم وقال بأصبع أخرى هكذا حتى ضم أصابعه كلها ثم قال يطبع عليه بطابع. وقال مجاهد كانوا يرون أن ذلك الرين, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن الأعمش عن مجاهد بنحوه, قال ابن جرير وقال بعضهم إنما معنى قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم} إخبار من الله عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقال إن فلاناً أصم عن هذا الكلام إذا امتنع من سماعه ورفع نفسه عن تفهمه تكبراً قال وهذا لا يصح لأن الله تعالى قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم (قلت) وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما رده ابن جرير ههنا وتأول الاَية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جداً وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده يتعالى الله عنه في اعتقاده ولو فهم قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} وقوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} وما أشبه من الاَيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقاً على تماديهم في الباطل وتركهم الحق وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح فلو أحاط علماً بهذا لما قال ما قال والله أعلم. قال القرطبي: وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع عل قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال: {بل طبع الله عليها بكفرهم} وذكر حديث تقليب القلوب «ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك» وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض, والاَخر أسود مرباد كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً» الحديث, قال ابن جرير والحق عندي في ذلك ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما حدثنا به محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال الله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} هذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة والليث بن سعد وابن ماجه عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ثلاثتهم عن محمد بن عجلان به, وقال الترمذي حسن صحيح ثم قال ابن جرير فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذٍ الختم من قبل الله تعالى والطبع فلا يكون للإيمان إليها مسلك, ولا للكفر عنها مخلص فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} نظير الختم والطبع على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحل رباطه عنها. واعلم أن الوقف التام على قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} وقوله: {وعلى أبصارهم غشاوة} جملة تامة فإن الطبع يكون على القلب وعلى السمع, والغشاوة وهي الغطاء يكون على البصر كما قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} يقول فلا يعقلون ولا يسمعون يقول وجعل على أبصارهم غشاوة يقول على أعينهم فلا يبصرون, وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد حدثنا أبي حدثني عمي الحسين بن الحسن عن أبيه عن جده عن ابن عباس ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم قال وحدثنا القاسم حدثنا الحسين يعني ابن داود وهو سنيد حدثني حجاج وهو ابن محمد الأعور حدثني ابن جريج قال: الختم على القلب والسمع, والغشاوة على البصر قال الله تعالى: {فإن يشأ الله يختم على قلبك} وقال: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} قال ابن جرير ومن نصب غشاوة من قوله تعالى وعلى أبصارهم غشاوة يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة يحتمل أن يكون نصبها على الإتباع على محل وعلى سمعهم كقوله تعالى: {وحور عين} وقول الشاعر: علفتها تبناً وماء بارداًحتى شتت همالة عيناها وقال الاَخر: ورأيت زوجك في الوغىمتقلداً سيفاً ورمحا تقديره وسقيتها ماء بارداً ومعتقلاً رمحاً, لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات ثم عرّف حال الكافرين بهاتين الاَيتين شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة كل منها نفاق كما أنزل سورة براءة فيهم وسورة المنافقين فيهم وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور تعريفاً لأحوالهم لتجتنب ويجتنب من تلبس بها أيضاً فقال تعالى ** وَمِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر, وهو أنواع: اعتقادي, وهو الذي يخلد صاحبه في النار. وعملي وهو من أكبر الذنوب كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى, وهذا كما قال ابن جريج: المنافق يخالف قوله فعله, وسره علانيته, ومدخله مخرجه, ومشهده مغيبه, وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه من الناس من كان يظهر الكفر مستكرهاً وهو في الباطن مؤمن, فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب, وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع حلفاء الخزرج بنوالنضير وبنو قريظة حلفاء الأوس فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وقلّ من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضاً لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف, بل قد كان عليه الصلاة والسلام وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة فلما كانت وقعة بدر وأظهر الله كلمته وأعز الإسلام وأهله قال عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأساًفي المدينة وهو من الخزرج وكان سيد الطائفتين في الجاهلية, وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم فجاءهم الخير وأسلموا واشتغلوا عنه فبقي في نفسه من الإسلام وأهله, فلما كانت وقعت بدر قال: هذا. أمر الله قد توجه فأظهر الدخول في الإسلام ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد نافق لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرهاً بل يهاجر فيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الاَخرة. قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاَخر وما هم بمؤمنين} يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم وكذا فسرها بالمنافقين من الأوس والخزرج أبو العالية والحسن وقتادة والسدي ولهذا نبه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفار في نفس الأمر وهذا من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خير فقال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاَخر وما هم بمؤمنين} أي يقولون ذلك قولاً ليس وراءه شيء آخر كما قال تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله} أي إنما يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط لا في نفس الأمر, ولهذا يؤكدون في الشهادة بإن ولام التأكيد في خبرها. أكدوا أمرهم قالوا: آمنا بالله وباليوم الاَخر وليس الأمر كذلك كما كذبهم الله في شهادتهم وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم بقوله تعالى: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} وبقوله: {وما هم بمؤمنين}. وقوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا} أي بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك, وأن ذلك نافعهم عنده, وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين كما قال تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا أنهم هم الكاذبون} ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: {وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون} يقول وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم كما قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} ومن القراء من قرأ {وما يخدعون إلا أنفسهم} وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد وقال ابن جرير فإن قال قائل: كيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعاً وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية ؟ قيل: لا تمتنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي في ضميره تقية لينجو مما هو له خائف مخادعاً, فكذلك المنافق سمي مخادعاً لله وللمؤمنين بإظهاره ما ظهر بلسانه تقية بما يخلص به من القتل والسبي والعذاب العاجل وهو لغير ما أظهره مستبطن وذلك من فعله وإن كان خداعاً للمؤمنين في عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك من فعله خادع, لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنيتها ويسقيها كأس سرورها, وهو موردها حياض عطبها, ومجرعها به كأس عذابها, ومذيقها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به, فذلك خديعته نفسه ظناً منه مع إساءته إليها في أمر معادها أنه إليها محسن كما قال تعالى: {وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} إعلاماً منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم عليها ربهم يكفرهم وشكهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين, ولكنهم على عمى أمرهم مقيمين. وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا علي بن المبارك فيما كتب إليّ حدثنا زيد بن المبارك حدثنا محمد بن ثور عن ابن جريج في قوله تعالى يخادعون الله قال: يظهرون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم وفي أنفسهم غير ذلك. وقال سعيد عن قتادة {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاَخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} نعت المنافق عند كثير: خنع الأخلاق يصدق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله ويصبح على حال ويمسي على غيره, ويمسي على حال ويصبح على غيره, ويتكفأ تكفؤَ السفينة كلما هبت ريح هبت معها. ** فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الاَية {في قلوبهم مرض} قال شك فزادهم الله مرضاً قال شكاً. وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال: شكاً. وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة. وعن عكرمة وطاوس في قلوبهم مرض يعني الرياء. وقال الضحاك عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال: نفاق فزادهم الله مرضاً قال: مرضاً وهذا كالأول. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قلوبهم مرض قال: هذا مرض في الدين وليس مرضاً في الأجساد وهم المنافقون والمرض الشك الذي دخلهم في الإسلام فزادهم الله مرضاً قال: زادهم رجساً, وقرأ {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم}. قال شراً إلى شرهم وضلالة إلى ضلالتهم, وهذا الذي قاله عبد الرحمن رحمه الله حسن وهو الجزاء من جنس العمل وكذلك قاله الأولون وهو نظير قوله تعالى أيضاً {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} وقوله {بما كانوا يكذبون} وقرى يكذّبون, وقد كانوا متصفين بهذا وهذا فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا, وقد سئل القرطبي وغيره من المفسرين عن حكمة كفه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين مع علمه بأعيان بعضهم وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه «أكره أن يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه» ومعنى هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم وأن قتله إياهم إنما هو على الكفر فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون: إن محمداً يقتل أصحابه, قال القرطبي وهذا قول علمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلفة مع علمه بسوء اعتقادهم, قال ابن عطية: وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وعن ابن الماجشون. ومنها: ما قال مالك إنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه قال القرطبي: وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه وإن اختلفوا في سائر الأحكام, قال: ومنها ما قال الشافعي إنما مَنعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم لأن ما يظهرونه يجب ما قبله. ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المجمع على صحته في الصحيحين وغيرهما «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل» ومعنى هذا أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهراً فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الدار الاَخرة وإن لم يعتقدها لم ينفعه جريان الحكم عليه في الدنيا وكونه كان خليط أهل الإيمان {ينادوهم ألم نكن معكم ؟ قالوا بلى, ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم, وارتبتم وغّرتكم الأماني حتى جاء أمر الله} الاَية, فهم يخالطونهم في بعض المحشر فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم وتخلفوا بعدهم {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} ولم يمكنهم أن يسجدوا معهم كما نطقت بذلك الأحاديث ومنها ما قاله بعضهم أنه إنما لم يقتلهم لأنه لا يخاف من شرهم مع وجوده صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يتلو عليهم آيات مبينات فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا النفاق وعلمه المسلمون, قال مالك: المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق اليوم (قلت) وقد اختلف العلماء في قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا أو يفرق بين أن يكون داعية أم لا, أو يتكرر منه ارتداده أم لا, أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه ؟ على أقوال متعددة موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الأحكام. (تنبيه) قول من قال كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقاً في غزوة تبوك الذين هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك, عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها, فأوحى الله إليه أمرهم, فأطلع على ذلك حذيفة ولعل الكف عن قتلهم كان لمدرك من هذه المدارك أو لغيرها والله أعلم. فأما غير هؤلاء فقد قال الله تعالى: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} الاَية, وقال تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورنك فيها إلا قليلاً * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً} ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم وإنما كان تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم كما قال تعالى {ولو نشاء لأريناكم فلعرفتهم بسيماهم * ولتعرفنهم في لحن القول} وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول, وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الذي سبق في صفات المنافقين ومع هذا لما مات صلى الله عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية المسلمين وقد عاتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه فقال: «إني أكره أن تتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه» وفي رواية في الصحيح «إني خيرت فاخترت» وفي رواية «لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له لزدت». ** وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ قَالُوَاْ إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلآ إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـَكِن لاّ يَشْعُرُونَ قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الطيب الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} قال: هم المنافقون أما لا تفسدوا في الأرض قال الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال يعني لا تعصوا في الأرض وكان فسادهم ذلك معصية الله لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وقال ابن جريج عن مجاهد {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال: إذا ركبوا معصية الله فقيل لهم لا تفعلوا كذا وكذا قالوا إنما نحن على الهدى مصلحون, وقال وكيع وعيسى بن يونس وعثان بن علي عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأزدي عن سلمان الفارسي {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} قال سلمان لم يجى أهل هذه الاَية بعد. وقال ابن جرير حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن الأعمش عن زيد بن وهب وغيره عن سلمان الفارسي في هذه الاَية قال: ما جاء هؤلاء ؟ قال ابن جرير: يحتمل أن سلمان رضي الله عنه أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فساداً من الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد, قال ابن جرير: فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه وتضييعهم فرائضه وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً فذلك إفساد المنافقين في الأرض, وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها. وهذا الذي قاله حسن, فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء كما قال تعالى {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً} ثم قال {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً} فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين فكأن الفساد من جهة المنافق حاصل لأنه هو الذي غر المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له ووالى الكافرين على المؤمنين ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف, ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح ونجح, ولهذا قال تعالى {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} أي نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء كما قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب يقول الله {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} يقول ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً. ** وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ النّاسُ قَالُوَاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السّفَهَآءُ أَلآ إِنّهُمْ هُمُ السّفَهَآءُ وَلَـَكِن لاّ يَعْلَمُونَ يقول تعالى وإذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس أي كإيمان الناس بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار وغير ذلك مما أخبر المؤمنين به وعنه, وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر وترك الزواجر {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} يعنون ـ لعنهم الله ـ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم, قاله أبو العالية والسدي في تفسيره بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة, وبه يقول الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وغيرهم يقولون: أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء ؟ والسفهاء جمع سفيه كما أن الحكماء جمع حكيم والحلماء جمع حليم, والسفيه هو الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بواضع المصالح والمضار, ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء في قوله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً} قال عامة علماء التفسير هم النساء والصبيان وقد تولى الله سبحانه جوابهم في هذه المواطن كلها فقال {ألا أنهم هم السفهاء} فأكد وحصر السفهاة فيهم {ولكن لا يعلمون} يعني ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى والبعد عن الهدى. ** وَإِذَا لَقُواْ الّذِينَ آمَنُواْ قَالُوَا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىَ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوَاْ إِنّا مَعَكْمْ إِنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ يقول تعالى وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا: آمنا وأظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة غروراً منهم للمؤمنين ونفاقاً ومصانعة وتقية وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم {وإذا خلوا إلى شياطينهم} يعني إذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم فضمن خلوا معنى انصرفوا لتعديته بإلى ليدل على الفعل المضمر والفعل الملفوظ به ومنهم من قال «إلى» هنا بمعنى «مع» والأول أحسن, وعليه يدور كلام ابن جرير وقال السدي عن أبي مالك: خلوا يعني مضوا, وشياطينهم سادتهم وكبراؤهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {وإذا خلوا إلى شياطينهم}: يعني هم رؤساءهم في الكفر. وقال الضحاك عن ابن عباس: وإذا خلوا إلى أصحابهم وهم شياطينهم وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {وإذا خلوا إلى شياطينهم} من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين. وقال قتادة {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال إلى رؤوسهم وقادتهم في الشرك والشر وبنحو ذلك فسره أبو مالك وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس. قال ابن جرير: وشياطين كل شيء مردته, ويكون الشيطان من الإنس والجن كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبّي عدواً شياطين من الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} وفي المسند عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن» فقلت يا رسول أوَ للإنس شياطين ؟ قال «نعم» وقوله {قالوا إنا معكم} قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أي إنا على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزئون} أي إنما نحن نستهزى بالقوم ونلعب بهم وقال الضحاك عن ابن عباس قالوا إنما نحن مستهزئون ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, وكذلك قال الربيع بن أنس وقتادة. وقوله تعالى جواباً ومقابلة على صنيعهم {الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون} وقال ابن جرير أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله تعالى {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} الاَية, وقوله تعالى {ولا يحسبن الذي كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} الاَية, قال فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ذكره وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين وأهل الشرك به عند قائل هذا القول ومتأول هذا التأويل قال: وقال آخرون بل استهزاؤه بهم توبيخه إياهم ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به. قال: وقال آخرون هذا وأمثاله على سبيل الجواب كقول الرجل لمن يخدعه إذا ظفر به أنا الذي خدعتك. ولم يكن منه خديعة ولكن قال ذلك إذا صار الأمر إليه قالوا وكذلك قوله تعالى {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} و { الله يستهزىء بهم} على الجواب, والله لا يكون منه المكر ولا الهزء. والمعنى أن المكر والهزء حاق بهم, وقال آخرون قوله تعالى {إنما نحن مستهزئون * الله يستهزىء بهم} وقوله {يخادعون الله وهو خادعهم} وقوله {فيسخرون منهم سخر الله منهم} و {نسوا الله فنسيهم} وما أشبه ذلك إخبار من الله تعالى أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ وإن اختلف المعنيان كما قال تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} وقوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} فالأول ظلم والثاني عدل فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما, قال وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك. قال: وقال آخرون إن معنى ذلك أن الله أخبر عن المنافقين أنهم إذا دخلوا إلى مردتهم قالوا إنا معكم على دينكم في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به, وإنما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم مستهزئون, فأخبر تعالى أنه يستهزى بهم فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا يعني من عصمة دماءهم وأموالهم خلاف الذي عنده في الاَخرة يعني من العذاب والنكال. ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله عز وجل بالإجماع وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك. قال وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عباس حدثنا أبو كريب حدثنا أبو عثمان حدثنا بشر بن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله { الله يستهزى بهم} قال يسخر بهم للنقمة منهم, وقوله تعالى {ويمدهم في طغيانهم يعمهون} قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يمدهم يملي لهم وقال مجاهد يزيدهم, وقال تعالى: {أيحسبون إنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ؟ بل لا يشعرون} وقال: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} قال بعضهم كلما أحدثوا ذنباً أحدث لهم نعمة وهي في الحقيقة نقمة وقال تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} قال ابن جرير والصواب نزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم كما قال تعالى {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} والطغيان: هو المجاوزة في الشيء كما قال تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية} وقال الضاحك عن ابن عباس في طغيانهم يعمهون في كفرهم يترددون, وكذا فسره السدي بسنده عن الصحابة وبه يقول أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس ومجاهد وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد في كفرهم وضلالتهم. قال ابن جرير: والعمه: الضلال. يقال عمه فلان يعمه عمها وعموهاً إذا ضل, قال وقوله في طغيانهم يعمهون في ضلالتهم, وكفرهم الذي غمرهم دنسه وعلاهم رجسه يترددون حيارى ضلالاً لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً. وقال بعضهم: العمى في العين والعمه في القلب, وقد يستعمل العمى في القلب أيضاً قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} وتقول عمه الرجل يعمه عموهاً فهو عمه وعامه وجمعه عمه, وذهبت إبله العمهاء إذا لم يدر أين ذهبت. ** أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ اشْتَرُواْ الضّلاَلَةَ بِالْهُدَىَ فَمَا رَبِحَتْ تّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} قال أخذوا الضلالة وتركوا الهدى, وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} أي الكفر بالإيمان, وقال مجاهد آمنوا ثم كفروا وقال قتادة: استحبوا الضلالة على الهدى, وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود {فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} وحاصل قول المفسرين فيما تقدم أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال واعتاضوا عن الهدى بالضلالة وهو معنى قوله تعالى {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} أي بذلوا الهدى ثمناً للضلالة وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الايمان ثم رجع عنه إلى الكفر كما قال تعالى فيهم {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم} أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى كما يكون حال فريق آخر منهم فإنهم أنواع وأقسام ولهذا قال تعالى {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة وما كانوا مهتدين أي راشدين في صنيعهم ذلك, وقال ابن جرير حدثنا بشير حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة, وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة بمثله سواء. ** مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاّ يُبْصِرُونَ * صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ يقال مثل ومثل ومثيل أيضاً والجمع أمثال, قال الله تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى, وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى, بمن استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يُبصر ولا يهتدي وهو مع هذا أصم لا يسمع أبكم لا ينطق أعمى لو كان ضياء لما أبصر, فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك, فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى واستحبابهم الغي على الرشد وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع, وا لله أعلم. وقد حكى هذا الذي قلناه الرازي في تفسيره عن السدي, ثم قال والتشبيه ههنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولاً نوراً ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين. وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل ههنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات واحتج بقوله تعالى {ومن الناس من يقول آمنا با لله وباليوم الاَخر وما هم بمؤمنين}, والصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم, وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم, ولم يستحضر ابن جرير هذه الاَية ههنا وهي قوله تعالى {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} فلهذا وجه هذا المثل بأنهم استضاؤوا بما أظهروه من كلمة الإيمان أي في الدنيا ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة قال وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد, كما قال {رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} أي كدوران الذي يغشى عليه من الموت, وقال تعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} وقال تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً} وقال بعضهم تقدير الكلام مثل قصتهم كقصة الذين استوقدوا ناراً, وقال بعضهم المستوقد واحد لجماعة معه وقال آخرون الذي ههنا بمعنى الذين كما قال الشاعر: وإن الذي حانت بفلج دماؤهمهم القوم كل القوم يا أم خالد قلت وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله تعالى: {فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون} وهذا أفصح في الكلام وأبلغ في الظلام, وقوله تعالى {ذهب الله بنورهم} أي ذهب عنهم بما ينفعهم وهو النور وأبقى لهم ما يضرهم وهو الإحراق والدخان {وتركهم في ظلمات} وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق {لا يبصرون} لا يهتدون إلى سبيل خير ولا يعرفونها وهم مع ذلك {صم} لا يسمعون خيراً {بكم} لا يتكلمون بما ينفعهم {عمي} في ضلالة وعماية البصيرة كما قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار, ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة.
ذكر أقوال المفسرين من السلف بنحو ما ذكرناه
قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة في قوله تعالى {فلما أضاءت ما حوله} زعم أن ناساً دخلوا في الإسلام مقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة ثم إنهم نافقوا وكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله من قذى أو أذى فأبصره حتى عرف ما يتقي منه فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى, فذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلال والحرام والخير والشر فبينما هو كذلك إذ كفر فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشر, وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الاَية, قال: أما النور فهو إيمانهم الذي كانوا يتكلمون به وأما الظلمة فهي ضلالتهم وكفرهم الذي كانوا يتكلمون به وهم قوم كانوا على هدى ثم نزع منهم فعتوا بعد ذلك. وقال مجاهد: {فلما أضاءت ما حوله} أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى, وقال عطاء الخراساني في قوله تعالى {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} قال هذا مثل المنافق يبصر أحياناً ويعرف أحياناً ثم يدركه عمى القلب. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة والحسن والسدي والربيع بن أنس نحو قول عطاء الخراساني وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} إلى آخر الاَية. قال هذه صفة المنافقين كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ناراً ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون, وأما قول ابن جرير فيشبه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء, فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه, وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} فإنما ضوء النار ما أوقدتها, فإذا خمدت ذهب نورها وكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص بلا إله إلا الله أضاء له, فإذا شك وقع في الظلمة, وقال الضحاك: {ذهب الله بنورهم} أما نورهم فهو إيمانهم الذي تكلموا به, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله} فهي لا إله إلا الله أضاءت لهم فأكلوا بها وشربوا وآمنوا في الدنيا ونكحوا النساء وحقنوا دمائهم حتى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون. وقال سعيد عن قتادة في هذه الاَية: إن المعنى أن المنافق تكلم بلا إله إلا الله فأضاءت له في الدنيا فناكح بها المسلمين وغازاهم بها ووارثهم بها وحقن بها دمه وماله فلما كان عند الموت سلبها المنافق لأنه لم يكن لها أصل في قلبه ولا حقيقة في عمله {وتركهم في ظلمات لا يبصرون} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {وتركهم في ظلمات لا يبصرون} يقول في عذاب إذا ماتوا, وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وتركهم في ظلمات} أي يبصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفؤوه بكفرهم ونفاقهم فيه, فتركهم في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى, ولا يستقيمون على حق, وقال السدي في تفسيره بسنده: {وتركهم في ظلمات} فكانت الظلمة نفاقهم. وقال الحسن البصري: وتركهم في ظلمات لا يبصرون, فذلك حين يموت المنافق فيظلم عليه عمله عمل السوء فلا يجد له عملاً من خير عمل به يصدق به قوله لا إله إلا الله: {صم بكم عمي} قال السدي بسنده: صم بكم عمي فهم خرس عمي, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {صم بكم عمي} يقول لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه, ولا يعقلونه وكذا قال أبو العالية وقتادة بن دعامة: {فهم لا يرجعون} قال ابن عباس: أي لا يرجعون إلى هدى, وكذا قال الربيع بن أنس: وقال السدي بسنده {صم بكم عمي فهم لا يرجعون} إلى الإسلام. وقال قتادة: فهم لا يرجعون, أي لا يتوبون ولا هم يذكرون,) | |
| | | RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: رد: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:47 pm | |
| ** أَوْ كَصَيّبٍ مّنَ السّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيَ آذَانِهِم مّنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أخرى فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم {كصيب}, والصيب المطر, قال ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري وقتادة وعطية العوفي وعطاء الخراساني والسدي والربيع بن أنس, وقال الضحاك: هو السحاب, والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات, وهي الشكوك والكفر والنفاق ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف, فإن من شأن المنافقين الخوف الشديوالفزع كما قال تعالى: {يحسبون كل صيحة عليهم} وقال: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون * لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلاً لولّوا إليه وهم يجمحون} {والبرق} هو ما يلمح في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين} أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئاً لأن الله محيط بقدرته وهم تحت مشيئته وإرادته كما قال: {هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط} بهم ثم قال: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} أي لشدته وقوته في نفسه, وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للإيمان, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يكاد البرق يخطف أبصارهم} يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين وقال ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {يكاد البرق يخطف أبصارهم} أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه وإذا أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله تعالى {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به} وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا} أي يعرفون الحق ويتكلمون به, فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا أي متحيرين, وهكذا قال أبو العالية والحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس والسدي بسنده عن الصحابة وهو أصح وأظهر والله أعلم, وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم, فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك, ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أخرى, فيمشي على الصراط تارة ويقف أخرى, ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخلص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً} وقال في حق المؤمنين {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار} الاَية, وقال تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}.
ذكر الحديث الوارد في ذلك
قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} الاَية, ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أو بين صنعاء ودون ذلك حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه, رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث عمران بن دَاوَر القطان عن قتادة بنحوه, وهذا كما قال المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نوراً على إبهامه يطفأ مرة ويتقد مرة, وهكذا رواه ابن جرير عن ابن مثنى عن ابن إدريس عن أبيه عن المنهال وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن علي بن محمد الطنافسي حدثنا ابن إدريس سمعت أبي يذكر عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود {نورهم يسعى بين أيديهم} قال على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى, وقال ابن أبي حاتم أيضاً حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا أبو يحيى الحماني حدثنا عتبة بن اليقظان عن عكرمة عن ابن عباس قال: ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نوراً يوم القيامة, فأما المنافق فيطفأ نوره فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين, فهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا, وقال الضحاك بن مزاحم يعطى كل من كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نوراً فإذا انتهى إلى الصراط طفي نور المنافقين فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا فقالوا ربنا أتمم لنا نورنا. فإذا تقرر هذا صار الناس أقساماً, مؤمنون خلص وهم الموصوفون بالاَيات الأربع في أول البقرة وكفار خلص وهم الموصوفون بالاَيتين بعدها ومنافقون وهم قسمان: خلص وهم المضروب لهم المثل الناري, ومنافقون يترددون تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي وهم أخف حالاً من الذين قبلهم, وهذا المقام يشبه من بعض الوجوه ما ذكر في سورة النور من ضرب مثل المؤمن وما جعل الله في قلبه من الهدى والنور بالمصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دري وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان واستمداده من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط كما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله, ثم ضرب مثل العباد من الكفار الذين يعتقدون أنهم على شيء وليسوا على شيء, وهم أصحاب الجهل المركب في قوله تعالى {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً} الاَية, ثم ضرب مثل الكفار الجهال الجهل البسيط وهم الذين قال تعالى فيهم {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} فقسم الكفار ههنا إلى قسمين: داعية ومقلد, كما ذكرهما في أول سورة الحج {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد} وقال {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} وقد قسم الله المؤمنين في أول الواقعة وفي آخرها, وفي سورة الإنسان إلى قسمين: سابقون وهم المقربون وأصحاب يمين وهم الأبرار. فتلخّص من مجموع هذه الاَيات الكريمات أن المؤمنين صنفان: مقربون وأبرار, وأن الكافرين صنفان: دعاة ومقلدون, وأن المنافقين أيضاً صنفان: منافق خالص, ومنافق فيه شعبة من نفاق, كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم «ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان» استدلوا به على أن الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان وشعبة من نفاق. إما عملي لهذا الحديث أو اعتقادي كما دلت عليه الاَية كما ذهب عليه طائفة من السلف وبعض العلماء كما تقدم وكما سيأتي إن شاء الله. قال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية يعني شيبان عن ليث عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر, وقلب أغلف مربوط على غلافه, وقلب منكوس, وقلب مصفح, فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن فسراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق, ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» وهذا إسناد جيد حسن. وقوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير} قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم} قال لِمَا تركوا من الحق بعد معرفته {إن الله على كل شيء قدير} قال ابن عباس أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير وقال ابن جرير: إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط, وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير. ومعنى قدير قادر كما معنى عليم عالم, وذهب ابن جرير ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين وتكون أو, في قوله تعالى: {أو كصيب من السماء} بمعنى الواو كقوله تعالى {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} أو تكون للتخيير أي اضرب لهم مثلاً بهذا وإن شئت بهذا, قال القرطبي: أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين على ما وجهه الزمخشري أن كلا منهما مساو للاَخر في إباحة الجلوس إليه ويكن معناه على قوله سواء ضربت لهم مثلاً بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم (قلت) وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة ـ ومنهم ـ ومنهم ـ ومنهم ـ يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال, فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم, والله أعلم, كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين في قوله تعالى {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} إلى أن قال {أو كظلمات في بحر لجي} الاَية: فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب, والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين, والله أعلم بالصواب.
** يَاأَيّهَا النّاسُ اعْبُدُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ * الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشاً وَالسّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشاً أي مهداً كالفراش مقررة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات والسماء بناء وهو السقف, كما قال في الاَية الأخرى {وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون} {وأنزل لهم من السماء ماء} والمراد به السحاب ههنا في وقته عند احتياجهم إليه فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد رزقاً لهم ولأنعامهم كما قرر هذا في غير موضع من القرآن, ومن أشبه آية بهذه الاَية قوله تعالى: {الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين} ومضمونه: أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم, فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره ولهذا قال: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال: «أن تجعل لله نداً وهو خلقك» الحديث, وكذا حديث معاذ أتدري ما حق الله على عباده ؟ «أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً» الحديث, وفي الحديث الاَخر «لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء فلان, ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان» وقال حماد بن سلمة حدثنا عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة أم المؤمنين لأمها قال: رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على نفر من اليهود فقلت من أنتم ؟ قالوا نحن اليهود, قلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير ابن الله, قالوا وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وما شاء محمد, قال ثم مررت بنفر من النصارى فقلت من أنتم ؟ قالوا نحن النصارى, قلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله, قالوا وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد, فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «هل أخبرت بها أحداً ؟» قلت: نعم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله وحده» هكذا رواه ابن مردويه في تفسير هذه الاَية من حديث حماد بن سلمة به, وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر عن عبد الملك بن عمير به بنحوه, وقال سفيان بن سعيد الثوري عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت فقال: «أجعلتني لله نداً ؟ قل ما شاء الله وحده» رواه ابن مردويه وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث عيسى بن يونس عن الأجلح به, هذا كله صيانة وحماية لجناب التوحيد, والله أعلم. وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} للفريقين جميعاً من الكفار والمنافقين, أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم وبه عن ابن عباس {فلا تجعلوا لله انداداً وأنتم تعلمون} أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد هو الحق الذي لا شك فيه, وهكذا قال قتادة, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا أبو عمرو حدثنا أبو الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قول الله عز وجل: {فلا تجعلوا لله أنداداً} قال الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل, وهو أن يقول والله وحياتك يا فلان وحياتي, ويقول لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة ولولا البط في الدار لأتى اللصوص, وقول الرجل لصاحبه ما شاء الله وشئت, وقول الرجل لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلان هذا كله به شرك, وفي الحديث أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء وشئت, قال: «أجعلتني لله نداً» وفي الحديث الاَخر: «نعم القوم أنتم لولا أنكم تنددون تقولون ما شاء الله وشاء فلان» قال أبو العالية فلا تجعلوا لله أنداداً أي عدلاء شركاء, وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة والسدي وأبو مالك وإسماعيل بن أبي خالد, وقال مجاهد {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} قال تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل.
ذكر حديث في معنى هذه الاَية الكريمة
قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا أبو خلف موسى بن خلف وكان يعد من البدلاء حدثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن الحارث الأشعري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن وأنه كاد أن يبطى بها فقال له عيسى عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني اسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تبلغهم وإما أن إبلغهن, فقال يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي قال: فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد فقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهم وآمركم أن تعملوا بهن, أولهن: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً, فإن مثل ذلك كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده, فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً, وآمركم بالصلاة فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت فإذا صليتم فلا تلتفوا, وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك, وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك, وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه, وقال لهم هل لكم أن أفتدي نفسي منكم, فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه, وآمركم بذكر الله كثيراً وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره, فأتى حصناً حصيناً فتحصن فيه وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا آمركم بخمسٍ الله أمرني بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله, فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن دعا بدعوى جاهلية فهو من جثي جهنم» قالوا: يا رسول الله وإن صام وصلى ؟ فقال: «وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فادعوا المسملين بأسمائهم على ما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله» هذا حديث حسن والشاهد منه في هذه الاَية قوله: «وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً» وهذه الاَية دالة على توحيده تعالى بالعبادة وحده لا شريك له وقد استدل به كثير من المفسرين كالرازي وغيره على وجود الصانع تعالى وهي دالة على ذلك بطريق الأولى فإن من تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية واختلاف أشكالها وألوانها وطباعها ومنافعها ووضعها في مواضع النفع بها محكمة, علم قدرة خالقها وحكمته وعلمه وإتقانه وعظيم سلطانه, كما قال بعض الأعراب, وقد سئل ما الدليل على وجود الرب تعالى ؟ فقال: يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير, وإن أثر الأقدام لتدل على المسير, فسماء ذات أبراج, وأرض ذات فجاج, وبحار ذات أمواج ؟ ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير ؟. وحكى الرازي عن الإمام مالك أن الرشيد سأله عن ذلك فاستدل له باختلاف اللغات والأصوال والنغمات, وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى, فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها, وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها, وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد, فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل, فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع, فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا علي يديه. وعن الشافعي أنه سئل عن وجود الصانع, فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم, وتأكله النحل فيخرج منه العسل وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعراً وروثاً, وتأكله الظباء فيخرج منها المسك وهو شيء واحد, وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن ذلك فقال ههنا حصن حصين أملس ليس له باب ولا منفذ, ظاهره كالفضة البيضاء, وباطنه كالذهب الإبريز, فبينا هو كذلك إذا انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح, يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد: تأمل في نبات الأرض وانظرإلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصاتبأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهداتبأن الله ليس له شريك وقال ابن المعتز: فيا عجباً كيف يعصى الإلــه أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آيةتدل على أنه واحد وقال آخرون من تأمل هذه السموات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار والصغار النيرة من السيارة ومن الثوابت, وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرة ولها في أنفسها سير يخصها, ونظر إلى البحار المكتنفة للأرض من كل جانب, والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما قال تعالى: {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك, إنما يخشى الله من عباده العلماء} وكذلك هذه الأنهار السارحة من قطر إلى قطر للمنافع وماذرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف الطعوم والأراييج والأشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء استدل على وجود الصانع وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا رب سواه, عليه توكلت وإليه أنيب, والاَيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جداً.
** وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مّمّا نَزّلْنَا عَلَىَ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتّقُواْ النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ
ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو, فقال مخاطباً للكافرين: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم فأتوا بسورة من مثل ما جاء به إن زعمتم أنه من عند غير الله فعارضوه بمثل ما جاء به واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله فإنكم لا تستطيعون ذلك, قال ابن عباس: شهداءكم أعوانكم, وقال السدي عن أبي مالك شركاءكم أي قوماً آخرين يساعدونكم على ذلك, أي استعينوا بآلهتكم في ذلك يمدونكم وينصرونكم, وقال مجاهد وادعوا شهداءكم قال ناس يشهدون به يعني حكام الفصحاء, وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن فقال في سورة القصص {قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين} وقال في سورة سبحان {قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} وقال في سورة هود: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} وقال في سورة يونس: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا ما استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} وكل هذه الاَيات مكية, ثم تحداهم بذلك أيضاً في المدينة فقال في هذه الاَية {وإن كنتم في ريب ـ أي شك ـ مما نزلنا على عبدنا ـ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ـ فأتوا بسورة من مثله} يعني من مثل القرآن, قاله مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير والطبري والزمخشري والرازي, ونقله عن عمر وابن مسعود وابن عباس والحسن البصري, وأكثر المحققين, ورجح ذلك بوجوه من أحسنها أنه تحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين سواء في ذلك أميهم وكتابيهم وذلك أكمل من التحدي وأشمل من أن يتحدى آحادهم الأميين ممن لا يكتب ولا يعاني شيئاً من العلوم وبدليل قوله تعالى: {فأتوا بعشر سور مثله} وقوله {لا يأتون بمثله} وقال بعضهم من مثل محمد صلى الله عليه وسلم, يعني من رجل أمي مثله, والصحيح الأول, لأن التحدي عام لهم كلهم مع أنهم أفصح الأمم وقد تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه ومع هذا عجزوا عن ذلك ولهذا قال تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} ولن لنفي التأبيد في المستقبل أي ولن تفعلوا ذلك أبداً وهذه أيضاً معجزة أخرى, وهو أنه أخبر خبراً جازماً قاطعاً مقدماً غير خائف ولا مشفق أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبد الاَبدين ودهر الداهرين وكذلك وقع الأمر لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن, وأنى يتأتى ذلك لأحد والقرآن كلام الله خالق كل شيء, وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين, ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنوناً ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى, قال الله تعالى: {الر * كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} فأحكمت ألفاظه وفصلت معانيه أو بالعكس على الخلاف فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يحاذى ولا يدانى, فقد أخبر عن مغيبات ماضية كانت ووقعت طبق ما أخبر سواء بسواء, وأمر بكل خير, ونهى عن كل شر كما قال تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً} أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام, فكله حق وصدق وعدل وهدى ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها, كما قيل في الشعر إن أعذبه أكذبه, وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر أو في مدح شخص معين أو فرس أو ناقة أو حرب أو كائنة أو مخافة أو سبع أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئاً إلا قدرة المتكلم المعين على الشيء الخفي أو الدقيق أو إبرازه إلى الشيء الواضح, ثم تجد له فيه بيت أو بيتين أو أكثر هي بيوت القصيد وسائرها هذر لا طائل تحته, وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلاً وإجمالاً ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير, فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة سواء كانت مبسوطة أو وجيزة وسواء تكررت أم لا, وكلما تكرر حلا وعلا, لا يخلق عن كثرة الرد, ولا يمل منه العلماء, وإن أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات, فما ظنك بالقلوب الفاهمات, وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والاَذان, ويشوق إلى دار السلام ومجاورة عرش الرحمن كما قال في الترغيب {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} وقال: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون} وقال في الترهيب: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر} {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير} وقال في الزجر: {فكلاً أخذنا بذنبه} وقال في الوعظ: {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة, وإن جاءت الاَيات في الأحكام والأوامر والنواهي, اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب, والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء, كما قال ابن مسعود وغيره من السلف, إذا سمعت الله تعالى يقول في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنها خير يأمر به أو شر ينهى عنه, ولهذا قال تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} الاَية, وان جاءت الاَيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم, بشرت به وحذرت وأنذرت, ودعت إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات, وزهدت في الدنيا ورغبت في الاَخرة, وثبتت على الطريقة المثلى, وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم, ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم. ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الاَيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة» ـ لفظ مسلم ـ وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإنما كان الذي أوتيته وحياً» أي الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية فإنها ليس معجزة عند كثير من العلماء والله أعلم, وله عليه الصلاة والسلام من الاَيات الدالة على نبوته وصدقه فيما جاء به ما لا يدخل تحت حصر ولله الحمد والمنة. وقد قرر بعض المتكلمين الإعجاز بطريق يشمل قول أهل السنة وقول المعتزلة في الصرفة, فقال: إن كان هذا القرآن معجزاً في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته فقد حصل المدعى وهو المطلوب, وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يفعلوا ذلك مع شدة عداوتهم له كان ذلك دليلاً على أنه من عند الله لصرفه إياهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك, وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته كما قررنا إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق وبهذه الطريقة أجاب الرازي في تفسيره عن سؤاله في السور القصار كالعصر وإنا أعطيناك الكوثر. وقوله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} أما الوقود, بفتح الواو, فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه, كما قال تعالى: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً} وقال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون} والمراد بالحجارة ههنا هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة, وهي أشد الأحجار حراً إذا حميت أجارنا الله منها, وقال عبد الملك بن ميسرة الزراد عن عبد الرحمن بن سابط بن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {وقودها الناس والحجارة} قال هي حجارة من كبريت, خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين. رواه ابن جرير وهذا لفظه وابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه وقال على شرط الشيخين. وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة, أما الحجارة فهي من كبريت أسود يعذبون به مع النار, وقال مجاهد حجارة من كبريت أنتن من الجيفة, وقال أبو جعفر محمد بن علي حجارة من كبريت, وقال ابن جريج حجارة من كبريت أسود في النار, وقال لي عمرو بن دينار: أصلب من هذه الحجارة وأعظم. وقيل المراد بها حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله كما قال تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} الاَية, حكاه القرطبي والرازي ورجحه على الأول, قال لأن أخذ النار في حجارة الكبريت ليس بمستنكر فجعلها هذه الحجارة أولى. وهذا الذي قاله ليس بقوي, وذلك أن النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها ولا سيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك, ثم أخذ النار بهذه الحجارة أيضاً مشاهد, وهذا الجص يكون أحجاراً فيعمل فيه بالنار حتى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النار وتحرقها وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها, وشدة ضرامها وقوة لهبها كما قال تعالى: {كلما خبت زدناهم سعيراً} وهكذا رجح القرطبي أن المراد بها الحجارة التي تسعر بها النار لتحمر ويشتد لهبها قال ليكون ذلك أشد عذاباً لأهلها, قال وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل مؤذ في النار» وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف, ثم قال القرطبي وقد فسر بمعنيين, أحدهما أن كل من آذى الناس دخل النار, والاَخر أن كل ما يؤذي في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك. وقوله تعالى: {أعدت للكافرين} الأظهر أن الضمير في أعدت عائد إلى النار التي وقودها الناس والحجارة, ويحتمل عوده إلى الحجارة كما قال ابن مسعود, ولا منافاة بين القولين في المعنى لأنهما متلازمان وأعدت أي رصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله كما قال ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {أعدت للكافرين} أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر, وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الاَية على أن النار موجودة الاَن لقوله تعالى: {أعدت} أي أرصدت وهيئت وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها «تحاجت الجنة والنار» ومنها «استأذنت النار ربها فقالت رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف» وحديث ابن مسعود سمعنا وجبة فقلنا ما هذه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الاَن وصل إلى قعرها» وهو عند مسلم, وحديث صلاة الكسوف وليلة الإسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا ووافقهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس. (تنبيه ينبغي الوقوف عليه) قوله تعالى: { فأتوا بسورة من مثله} وقوله في سورة يونس: {بسورة مثله} يعم كل سورة في القرآن طويلة كانت أم قصيرة لأنها نكرة في سياق الشرط فتعم كما هي في سياق النفي عن المحققين من الأصوليين كما هو مقرر في موضعه, فالإعجاز حاصل في طوال السور وقصارها, وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين الناس سلفاً وخلفاً وقد قال الرازي في تفسيره فإن قيل قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} يتناول سورة الكوثر وسورة العصر, وقل يا أيها الكافرون ونحن نعلم بالضرورة أن الاتيان بمثله أو بما يقرب منه ممكن فإن قلتم إن الإتيان بمثل هذه السور خارج عن مقدار البشر كان مكابرة والإقدام على هذه المكابرات مما يطرق بالتهمة إلى الدين (قلنا) فلهذا السبب اخترنا الطريق الثاني وقلنا إن بلغت هذه السور في الفصاحة حد الإعجاز فقد حصل المقصود, وإن لم يكن كذلك, كان امتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى توهين أمره معجزاً, فعلى التقديرين يحصل المعجز, هذا لفظه بحروفه والصواب أن كل سورة من القرآن معجزة لا يستطيع البشر معارضتها طويلة كانت أو قصيرة قال الشافعي رحمه الله, لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم {والعصر إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم, فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين ؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وما هي فقال {والعصر إن الإنسان لفي خسر} ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال ولقد أنزل علي مثلها, فقال: وما هو ؟ فقال: يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر, وسائرك حقر فقر, ثم قال كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني لأعلم أنك تكذب.
** وَبَشّرِ الّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رّزْقاً قَالُواْ هَـَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال, عطف يذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة, وهذا معنى تسمية القرآن مثاني على أصح أقوال العلماء كما سنبسطه في موضعه, وهو أن يذكر الإيمان ويتبع بذكر الكفر أو عكسه أو حال السعداء ثم الأشقياء أو عكسه, وحاصله ذكر الشيء ومقابله. وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه كما سنوضحه إن شاء الله فلهذا قال تعالى: {وبشر الذين أمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار} فوصفها بأنها تجري من تحتها الأنهار أي من تحت أشجارها وغرفها, وقد جاء في الحديث: أن أنهارها تجري في غير أخدود, وجاء في الكوثر أن حافتيه قباب اللؤلؤ المجوف, ولا منافاة بينها فطينها المسك الأذفر, وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر, نسأل الله من فضله إنه هو البر الرحيم. وقال ابن أبي حاتم: قرأ على الربيع بن سليمان, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا أبو ثوبان عن عطاء بن قرة, عن عبد الله بن ضمرة, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهار الجنة تفجر تحت تلال أو من تحت جبال المسك» وقال أيضاً حدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق, قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل المسك. وقوله تعالى: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل, قال إنهم أُتُوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا, وهكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ونصرة بن جرير, وقال عكرمة {قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} قال معناه مثل الذي كان بالأمس, وكذا قال الربيع بن أنس. وقال مجاهد يقولون ما أشبهه به قال ابن جرير: وقال آخرون: بل تأويل هذا الذي رزقنا من قبل ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضاً لقوله تعالى: {وأتوا به متشابهاً} قال سنيد بن داود حدثنا شيخ من أهل المصيصة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال يؤتى أحدهم بالصفحة من الشيء فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول هذا الذي أتينا به من قبل, فتقول الملائكة كُلْ فاللون واحد والطعم مختلف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير, قال عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك, ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها, ثم يؤتون بمثلها, فيقول لهم أهل الجنة: هذا الذي أتيتمونا آنفاً به, فتقول لهم الوالدان: كلوا فاللون واحد والطعم مختلف, وهو قول الله تعالى: {وأتوا به متشابهاً} وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية {وأتوا به متشابهاً} قال: يشبه بعضه بعضاً, ويختلف في الطعم, قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك وقال ابن جرير بإسناده عن السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة, عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة في قوله تعالى: {وأتوا به متشابهاً} يعني في اللون والمرأى وليس يشتبه في الطعم, وهذا اختيار ابن جرير, وقال عكرمة {وأتوا به متشابهاً} قال يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب, وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس لا يشبه شيئاً مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء, وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء, ورواه ابن جرير من رواية الثوري وابن أبي حاتم من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: {وأتوا به متشابهاً} قال يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا التفاح بالتفاح والرمان بالرمان, قالوا في الجنة هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا وأتوا به متشابهاً يعرفونه وليس هو مثله في الطعم. وقوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: مطهرة من القذر والأذى, وقال مجاهد, من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد, وقال قتادة مطهرة من الأذى والمأثم, وفي رواية عنه لا حيض ولا كلف, وروي عن عطاء والحسن والضحاك وأبي صالح وعطية والسدي نحو ذلك. وقال ابن جرير حدثني يونس بن عبد الأعلى. أنبأنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, قال: المطهرة التي لا تحيض, قال وكذلك خلقت حواء عليها السلام, فلما عصت قال الله تعالى: إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة ـ وهذا غريب, وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد حدثني حعفر بن محمد بن حرب وأحمد بن محمد الجوري قالا: حدثنا محمد بن عبيد الكندي, حدثنا عبد الرزاق بن عمر البزيعي, حدثنا عبد الله بن المبارك عن شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق. هذا حديث غريب ـ وقد رواه الحاكم في مستدركه عن محمد بن يعقوب بن الحسن بن علي بن عفان عن محمد بن عبيد به, وقال صحيح على شرط الشيخين, وهذا الذي ادعاه فيه نظر, فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البستي: لا يجوز الاحتجاج به (قلت) والأظهر أن هذا من كلام قتادة كما تقدم, والله أعلم. وقوله تعالى: {وهم فيها خالدون} هذا هو تمام السعادة فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام, والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم, إنه جواد كريم بر رحيم. | |
| | | RoMa Admin
عدد المساهمات : 1980 نقاط : 6051 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 04/09/2011 العمر : 29 الموقع : دموع عيون حبيبى
| موضوع: رد: تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم الأحد أكتوبر 30, 2011 10:48 pm | |
| ** إِنّ اللّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنّهُ الْحَقّ مِن رّبّهِمْ وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللّهُ بِهَـَذَا مَثَلاً يُضِلّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلّ بِهِ إِلاّ الْفَاسِقِينَ * الّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
قال السدي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} وقوله: {أو كصيب من المساء} الاَيات الثلاث, قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال, فأنزل الله هذه الاَية إلى قوله تعالى: {هم الخاسرون} وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة لما ذكر الله تعالى العنكبوت والذباب, قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران ؟ فأنزل الله {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} وقال سعيد عن قتادة أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئاً مما قل أو كثر, وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا ؟ فأنزل الله {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} (قلت) العبارة الأولى عن قتادة فيها إشعار أن هذه الاَية مكية وليس كذلك, وعبارة رواية سعيد عن قتادة أقرب, والله أعلم. وروى ابن جريج عن مجاهد نحو هذا الثاني عن قتادة. وقال ابن أبي حاتم روي عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي وقتادة. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الاَية قال هذا مثل ضربه الله للدنيا أن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا سمنت ماتت وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب لهم هذا مثل في القرآن إذا امتلؤوا من الدنيا رياً أخذهم الله عند ذلك ثم تلا: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} هذا رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية بنحوه فالله أعلم, فهذا اختلافهم في سبب النزول. وقد اختار ابن جرير ما حكاه السدي لأنه أمس بالسورة وهو مناسب, ومعنى الاَية أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي أي لا يستنكف وقيل لا يخشى أن يضرب مثلاً ما, أي: أيّ مثل كان بأي شيء كان صغيراً كان أو كبيراً وما ههنا للتقليل وتكون بعوضة منصوبة على البدل كما تقول لأضربن ضرباً ما, فيصدق بأدنى شيء أو تكون ما نكرة موصوفة ببعوضة, واختار ابن جرير أن ما موصولة وبعوضة معربة بإعرابها, قال وذلك سائغ في كلام العرب أنهم يعربون صلة ما ومن بإعرابهما لأنهما يكونان معرفة تارة ونكرة أخرى كما قال حسان بن ثابت: يكفي بنا فضلاً على من غيرناحب النبي محمد إيانا
قال ويجوز أن تكون بعوضة منصوبة بحذف الجار, وتقدير الكلام: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بين بعوضة إلى ما فوقها, وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء وقرأ الضحاك وإبراهيم بن عبلة بعوضة بالرفع, قال ابن جني وتكون صلة لما وحذف العائد كما في قوله {تماماً على الذي أحسن} أي على الذي هو أحسن, وحكى سيبوبه: ما أنا بالذي قائل لك شيئاً, أي بالذي هو قائل لك شيئاً وقوله تعالى: {فما فوقها} فيه قولان: أحدهما فما دونها في الصغر والحقارة كما إذا وصف رجل باللؤم والشح فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك ـ يعني فيما وصفت ـ وهذا قول الكسائي وأبي عبيد قاله الرازي وأكثر المحققين. وفي الحديث «لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافراً منها شربة ماء» والثاني: فما فوقها لما هو أكبر منها لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة وهذا قول قتادة بن دعامة واختيار ابن جرير, فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة» فأخبر أنه لا يستصغر شيئاً يضرب به مثلاً ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة, كما لا يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بها كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} وقال: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} وقال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار * يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاَخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} وقال تعالى: {ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء} الاَية, ثم قال: {وضرب الله مثلاً رجلين أحدهم أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلّ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} الاَية, كما قال: {ضرب لكم مثلاً من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم} الاَية. قال: {ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون} الاَية. وقال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} وفي القرآن أمثال كثيرة, قال بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لأن الله قال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} وقال مجاهد في قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم ويهديهم الله بها. وقال قتادة {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} أي يعلمون أنه كلام الرحمن وأنه من عند الله, وروي عن مجاهد والحسن والربيع بن أنس نحو ذلك. وقال أبو العالية {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} يعني هذا المثل {وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً} كما قال في سورة المدثر {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً * ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً * كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو} وكذلك قال ههنا {يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين} قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة يضل به كثيراً يعني به المنافقين ويهدي به المؤمنين, فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم لتكذيبهم بما قد علموه حقاً يقيناً من المثل الذي ضربه الله بما ضرب لهم, وأنه لما ضرب له موافق, فذلك إضلال الله إياهم به, ويهدي به يعني المثل كثيراً من أهل الإيمان والتصديق فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيماناً إلى إيمانهم لتصديقهم بما قد علموه حقاً يقيناً أنه موافق لما ضربه الله له مثلاً وإقرارهم به وذلك هداية من الله لهم به {وما يضل به إلا الفاسقين} قال هم المنافقون, وقال أبو العالية {وما يضل به إلا الفاسقين} قال هم أهل النفاق وكذا قال الربيع بن أنس, وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس {وما يضل به إلا الفاسقين} قال يقول يعرفه الكافرون فيكفرون به. وقال قتادة {وما يضل به إلا الفاسقين} فسقوا فأضلهم الله على فسقهم, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي عن إسحاق بن سليمان عن أبي سنان عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن سعد {يضل به كثيراً} يعني الخوارج. وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال سألت أبي فقلت: قوله تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} إلى آخر الاَية: فقال: هم الحرورية, وهذا الإسناد وإن صح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فهو تفسير على المعنى لا أن الاَية أريد منها التنصيص على الخوارج الذين خرجوا على عليّ بالنهروان, فإن أولئك لم يكونوا حال نزول الاَية وإنما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل لأنهم سموا خوارج لخروجهم عن طاعة الإمام والقيام بشرائع الإسلام, والفاسق في اللغة هو الخارج عن الطاعة أيضاً, وتقول العرب فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها, ولهذا يقال للفأرة فويسقة لخروجها عن حجرها للفساد, وثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور» فالفاسق يشمل الكافر والعاصي, ولكن فسق الكافر أشد وأفحش, والمراد به من الاَية الفاسق الكافر, والله أعلم بدليل أنه وصفهم بقوله تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون} وهذه الصفات صفات الكفار المبانية لصفات المؤمنين كما قال تعالى في سورة الرعد {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ؟ إنما يتذكر أول الألباب * الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق * والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} الاَيات, إلى أن قال {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه, فقال بعضهم هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم عما أمرهم به من طاعته ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسله, ونقضهم ذلك هو تركهم العمل به.
وقال آخرون بل هي في كفار أهل الكتاب والمنافقين منهم, وعهد الله الذي نقضوه هو ما أخذ الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها واتباع محمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث والتصديق به وبما جاء به من عند ربهم, ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته وإنكارهم ذلك وكتمانهم علم ذلك عن الناس بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه, فأخبر تعالى أنهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً. وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله وهو قول مقاتل بن حيان. وقال آخرون بل عنى بهذه الاَية جميع أهل الكفر والشرك والنفاق وعهده إلى جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته وعهد إليهم في أمره ونهيه ما حتج به لرسله من المعجزات التي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثله, الشاهدة لهم على صدقهم, قالوا ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبينت لهم صحته بالأدلة, وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أن ما أتوا به حق. وروي عن مقاتل بن حيان أيضاً نحو هذا وهو حسن, وإليه مال الزمخشري فإنه قال, فإن قلت: فما المراد بعهد الله ؟ قلت: ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد كأنه أمرٌ وصّاهم به ووثقه عليهم, وهو معنى قوله تعالى {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} إذ أخذ الميثاق عليهم من الكتب المنزلة عليهم كقوله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} وقال آخرون: العهد الذي ذكره تعالى هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصف في قوله {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} الاَيتين, ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به, وهكذا روي عن مقاتل بن حيان أيضاً, حكى هذه الأقوال ابن جرير في تفسيره. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ـ إلى قوله ـ أولئك هم الخاسرون} قال هي ست خصال من المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال, إذا حدثوا كذبوا, وإذا وعدوا أخلفوا, وإذا اؤتمنوا خانوا, ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه, وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل, وأفسدوا في الأرض, وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال الثلاث: إذا حدثوا كذبوا, وإذا وعدوا أخلفوا, وإذا اؤتمنوا خانوا. وكذا قال الربيع بن أنس أيضاً, وقال السدي في تفسيره بإسناده قوله تعالى {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} قال: هو ما عهد إليهم في القرآن, فأقروا به ثم كفروا فنقضوه. وقوله: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} قيل المراد به صلة الأرحام والقرابات كما فسره قتادة كقوله تعالى {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} ورجحه ابن جرير, وقيل المراد أعم من ذلك فكل ما أمر الله بوصله وفعله فقطعوه وتركوه. وقال مقاتل بن حيان في قوله تعالى: {أولئك هم الخاسرون} قال في الاَخرة, وهذا كما قال تعالى: {أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} وقال الضحاك عن ابن عباس كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل خاسر فإنما يعني به الكفر, وما نسبه إلى أهل الاسلام, فإنما يعني به الذنب. وقال ابن جرير في قوله تعالى {أولئك هم الخاسرون} الخاسرون جمع خاسر وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه وكذلك المنافق والكافر خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته, يقال منه خسر الرجل يخسر الرجل يخسر خسراً وخساراً كما قال جرير بن عطية: إن سليطاً في الخسار إنهأولاد قوم خلقوا أقنه) ** كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يقول تعالى محتجاً على وجوده وقدرته وأنه الخالق المتصرف في عباده {كيف تكفرون بالله} أي كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره {وكنتم أمواتاً فأحياكم} أي وقد كنتم عدماً فأخرجكم إلى الوجود كما قال تعالى {أم خلقوا من شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السموات والأرض * بل لا يوقنون} وقال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً} والاَيات في هذا كثيرة, وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه {قالوا ربنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا} قال هي التي في البقرة {وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: كنتم أمواتاً فأحياكم: أمواتاً في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئاً حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق ثم يحييكم حين يبعثكم, قال وهي مثل قوله تعالى: {أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى {ربنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال كنتم تراباً قبل أن يخلقكم, فهذه ميتة, ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة, ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى, ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى, فهذه ميتتان وحياتان فهو كقوله {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم} وهكذا روي عن السدي بسنده عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة وعن أبي العالية والحسن ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك وعطاء الخراساني نحو ذلك, وقال الثوري عن السدي عن أبي صالح {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} قال: يحييكم في القبر ثم يميتكم, وقال ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خلقهم في ظهر آدم ثم أخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة. وذلك كقوله تعالى {قالوا ربنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} وهذا غريب والذي قبله. والصحيح ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس وأولئك الجماعة من التابعين وهو كقوله تعالى {قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه} الاَية, كما قال تعالى في الأصنام {أموات غير أحياء وما يشعرون} الاَية وقال: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون}. ** هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ مّا فِي الأرْضِ جَمِيعاً ثُمّ اسْتَوَىَ إِلَى السّمَآءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لما ذكر تعالى دلالة من خلقهم وما يشاهدونه من أنفسهم ذكر دليلاً آخر مما يشاهدونه من خلق السموات والأرض فقال {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات} أي قصد إلى السماء. والاستواء ههنا مضمن معنى القصد والإقبال, لأنه عدّي بإلى فسواهن أي فخلق السماء سبعاً, والسماء ههنا اسم جنس فلهذا قال {فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم} أي وعلمه محيط بجميع ما خلق, كما قال: {ألا يعلم من خلق} وتفصيل هذه الاَية في سورة حم السجدة وهو قوله تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم} ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولاً ثم خلق السموات سبعاً, وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثم أعاليه بعد ذلك, وقد صرح المفسرون بذلك كما سنذكره بعد هذا إن شاء الله. فأما قوله تعالى {أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها * والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعاً لكم ولأنعامكم} فقد قيل إن ثم ههنا إنما هي لعطف الخبر على الخبر لا لعطف الفعل على الفعل, كما قال الشاعر: قل لمن ساد ثم ساد أبوهثم قد ساد قبل ذلك جده وقيل إنّ الدحي كان بعد خلق السموات, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, وقد قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم} قال إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئاً غير ما خلق قبل الماء, فلما أراد أن يخلق أخرج من الماء دخاناً فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين فخلق الأرض على حوت, والحوت هو الذي ذكره الله في القرآن {ن والقلم} والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح, وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض, فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت فالجبال تفخر على الأرض فذلك قوله تعالى {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم} وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها} يقول أنبت شجرها {وقدر فيها أقواتها} لأهلها {في أربعة أيام سواء للسائلين} يقول من سأل فهكذا الأمر {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} وذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة, إنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض وأوحى في كل سماء أمرها قال خلق الله في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار والجبال والبرد ومما لا يُعلم, ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة حفظاً تحفظ من الشياطين, فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حيث يقول {خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} ويقول {كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي} وقال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا عبد الله بن صالح حدثني أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن سلام أنه قال: إن الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين, وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء, وخلق السموات في الخميس والجمعة, وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل, فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة. وقال مجاهد في قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} قال خلق الله الأرض قبل السماء فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك حين يقول: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع السموات} قال: بعضهن فوق بعض وسبع أرضين يعني بعضها تحت بعض, وهذه الاَية دالة على أن الأرض خلقت قبل السماء كما قال في سورة السجدة: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أم كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في ويومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا المساء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم} فهذه وهذه دالتان على أن الأرض خلقت قبل السماء, وهذا ما لا أعلم فيه نزاعاً بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض, وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها, والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها} قالوا: فذكر خلق السماء قبل الأرض وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء, وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديماً وحديثاً, وقد حررنا ذلك في سورة النازعات وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دخاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها} ففسر الدحي بإخرج ما كان مودعاً فيها بالقوة إلى الفعل لما أكملت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية دحى بعد ذلك الأرض فأخرجت ما كان مودعاً فيها من المياه فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها, وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة, والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الاَية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفيسر أيضاً من رواية ابن جريح, قال أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سملة عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال فيها يوم الأحد وخلق الشجر فيها يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم, وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب, وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار, وإنما اشتبه على بعض الرواة, فجعلوه مرفوعاً, وقد حرر ذلك البيهقي. ** وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّيَ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ يخبر تعالى بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم, فقال تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} أي واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك, وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية وهو أبو عبيدة أنه زعم أن إذ ههنا زائدة وأن تقدير الكلام وقال ربك, وردّه ابن جرير, قال القرطبي وكذا رده جميع المفسرين حتى قال الزجاج هذا اجتراء من أبي عبيدة {إني جاعل في الأرض خليقة} أي قوماً يخلف بعضهم بعضاً قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل كما قال تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف الأرض} قال: {ويجعلكم خلفاء الأرض} وقال: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} وقال: {فخلف من بعدهم خلف} وقرى في الشاذ: {إني جاعل في الأرض خليقة} حكاها الزمخشري وغيره, ونقل القرطبي عن زيد بن علي وليس المراد ههنا بالخليفة آدم عليه السلام فقط كما يقوله طائفة من المفسرين, وعزاه القرطبي إلى ابن عباس وابن مسعود وجميع أهل التأويل وفي ذلك نظر بل الخلاف في ذلك كثير حكاه الرازي في تفسيره وغيره والظاهر أنه لم يرد آدم عيناً إذ لو كان ذلك لما حسن قول الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} فإنهم أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك وكأنهم علموا ذلك بعلم خاص أو بما فهموه من الطبيعة البشرية, فإنه أخبرهم أنه يخلق هذا الصنف من صلصال من حمإ مسنون أو فهموا من الخليفة أنه الذي يفصل بين الناس ما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن المحارم والمآثم, قاله القرطبي: أو أنهم قاسوهم على من سبق كما سنذكر أقوال المفسرين في ذلك, وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله ولا على وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين, وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول أي لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه, وههنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقاً, قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها, فقالوا: {أتجعل قيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} الاَية, وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء, فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك أي نصلي لك كما سيأتي. أي ولا يصدر منا شيء من ذلك, وهلا وقع الاقتصار علينا ؟ قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: {إني أعلم مالا تعلمون} أي إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها مالا تعلمون أنتم فإني جاعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء والعاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم, وقد ثبت في الصحيح أن الملائكة إذا صعدت إلى الرب تعالى بأعمال عباده يسألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون. وذلك لأنهم يتعاقبون فينا ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر, فيمكث هؤلاء ويصعد أولئك بالأعمال كما قال عليه الصلاة والسلام: «يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل» فقولهم: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم هم يصلون من تفسير قوله لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون}, وقيل معنى قوله تعالى جواباً لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون} إني لي حكمة مفصلة في خلق هؤلاء والحالة ما ذكرتم لا تعلمونها, قيل إنه جواب {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} فقال: {إني أعلم ما لا تعلمون} أي من وجود إبليس بينكم وليس هو كما وصفتم أنفسكم به. وقيل بل تضمن قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} طلباً منهم أن يسكنوا الأرض بدل بن آدم, فقال الله تعالى لهم: {إني أعلم ما لا تعلمون} من أن بقاءكم في السماء أصلح لكم وأليق بكم. ذكرها الرازي مع غيرها من الأجوبة, والله أعلم. ذكر أقوال المفسرين ببسط ما ذكرناه قال ابن جرير: حدثني القاسم بن الحسن قال: حدثنا الحسين قال: حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالوا: قال الله للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة, قال لهم إني فاعل وهذا معناه أنه أخبرهم بذلك, وقال السدي استشار الملائكة في خلق آدم, رواه ابن أبي حاتم قال: وروي عن قتادة نحوه وهذه العبارة إن لم ترجع إلى معنى الإخبار ففيها تساهل, وعبارة الحسن وقتادة في رواية ابن جرير أحسن والله أعلم {في الأرض}. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد حدثنا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن سابط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {دحيت الأرض من مكة وأول من طاف بالبيت الملائكة. فقال الله: إني جاعل في الأرض خليفة يعني مكة} وهذا مرسل, وفي سنده ضعف وفيه مدرج وهو أن المراد بالأرض مكة, والله أعلم, فإن الظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك {خليفة} قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة أن الله تعالى قال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا: ربنا وما يكون ذاك الخليفة ؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضاً. قال ابن جرير: فكان تأويل الاَية على هذا إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بالعدل بين خلقي وإن ذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه, وأما الافساد وسفك الدماء بغير حقها فمن غير خلفائه: قال ابن جرير وإنما معنى الخلافة التي ذكرها الله, إنما هي خلافة قرن منهم قرناً, قال: والخليفة الفعيلة من قولك خلف فلان فلاناً في هذا الأمر إذا قام مقامه فيه بعده كما قال تعالى: {ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}, ومن ذلك قيل للسلطان الأعظم خليفة لأنه خلف الذي كان قبله فقام بالأمر فكان منه خلفاً, قال: وكان محمد بن إسحاق يقول في قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة}, يقول ساكناً وعامراً يعمرها ويسكنها خلقاً ليس منكم. قال ابن جرير: وحدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن أول من سكن الأرض الجن, فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء وقتل بعضهم بعضاً, قال فبعث الله إليهم إبليس فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال, ثم خلق فأسكنه إياها, فلذلك قال: {إني جاعل في الأرض خليفة}. وقال سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن ابن سابط: {إني جاعل في الأرض خليفة, قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} قال: يعنون به بني آدم, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال الله للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خلقاً وأجعل فيها خليفة وليس لله عز وجل خلق إلا الملائكة والأرض وليس فيها خلق, قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها. وقد تقدم ما رواه السدي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة: أن الله أعلم الملائكة بما تفعله ذرية آدم فقالت الملائكة ذلك, وتقدم آنفاً ما رواه الضحاك عن ابن عباس أن الجن أفسدوا في الأرض قبل بني آدم, فقالت الملائكة ذلك فقاسوا هؤلاء بأولئك. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن بكر بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمر, قال: كان الجن بنو الجان في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة, فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فبعث الله جنداً من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوا بجزائر البحور فقال الله للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة, قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة ـ إلى قوله ـ وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} قال خلق الله الملائكة يوم الأربعاء وخلق الجن يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة, فكفر قوم من الجن فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ببغيهم, وكان الفساد في الأرض, فمن ثم قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها كما أفسدت الجن ويسفك الدماء كما سفكوا, قال ابن أبي حاتم وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا مبارك بن فضالة حدثنا الحسن قال: قال الله للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة, قال لهم إني فاعل فآمنوا بربهم فعلمهم علماً وطوى علماً علمه ولم يعلموه, فقالوا بالعلم الذي علمهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون. قال الحسن: إن الجن كانوا في الأرض يفسدون ويسفكون الدماء, ولكن جعل الله في قلوبهم أن ذلك سيكون, فقالوا بالقول الذي علمهم. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {أتجعل فيها من يفسد فيها} كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء, فذلك حين قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام الرازي حدثنا ابن المبارك عن معروف يعني ابن خربوذ المكي عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول السجل ملك, وكان هاروت وماروت من أعوانه, وكان له في كل يوم ثلاث لمحات في أم الكتاب, فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور فأسر إلى هاروت وماروت وكانا في أعوانه قلما قال تعالى, {إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}. قال ذلك استطالة على الملائكة. وهذا أثر غريب وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر فهو نقله عن أهل الكتاب, وفيه نكارة توجب رده, والله أعلم, ومقتضاه أن الذين قالوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط, وهو خلاف السياق وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم أيضاً حيث قال: حدثنا أبي حدثنا هشام بن أبي عبيد الله حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال: سمعت أبي يقول إن الملائكة الذين قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} كانوا عشرة آلاف فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم, وهذا أيضاً إسرائيلي منكر كالذي قبله, والله أعلم. قال ابن جريج وإنما تكلموا بما أعلمهم الله أنه كائن من خلق آدم فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وقال ابن جرير وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم, فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها: وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم ؟ فأجابهم ربهم {إني أعلم ما لا تعلمون} يعني أن ذلك كائن منهم وإن لم تعلموه أنتم, ومن بعض ما ترونه لي طائعاً قال: وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموه من ذلك, فكأنهم قالوا يا رب خبرنا ـ مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار ـ واختاره ابن جرير, وقال سعيد عن قتادة قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} قال استشار الملائكة في خلق آدم, فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ـ وقد علمت الملائكة أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض ـ ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك, قال إني أعلم ما لا تعلمون فكان في علم الله أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة, قال وذكر لنا عن ابن عباس أنه كان يقول: إن الله لما أخذ في خلق آدم عليه السلام قالت الملائكة ما الله خالق خلقاً أكرم عليه منا ولا أعلم منا فابتلوا بخلق آدم, وكل خلق مبتلى كما ابتليت السموات والأرض بالطاعة فقال الله تعالى: {ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين} وقوله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة, قال: التسبيح التسبيح والتقديس الصلاة, وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ونحن نسبح بحمد ونقدس لك قال يقولون نصلي لك, وقال مجاهد ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك, قال نعظمك ونكبرك, وقال الضحاك التقديس التطهير, وقال محمد بن إسحاق ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك, قال: لا نعصي ولا نأتي شيئاً تكرهه. وقال ابن جرير التقديس هو التعظيم والتطهير. ومنه قولهم سبوح قدوس يعني بقولهم سبوح تنزيه له, وبقولهم قدوس طهارة وتعظيم له, وكذلك قيل للأرض أرض مقدسة يعني بذلك المطهرة, فمعنى قول الملائكة إذاً {ونحن نسبح بحمدك} ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك {ونقدس لك} ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل ؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده» وروى البيهقي عن عبدالرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحاً في السموات العلا «سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى» {قال إني أعلم ما لا تعلمون} قال قتادة فكان في علم الله أنه سيكون في تلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة. وسيأتي عن ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من الصحابة والتابعين أقول في حكمة قوله تعالى: {قال إني أعلم ما لا تعملون}. وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الاَية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ويقطع تنازعهم وينتصر لمظلوهم من ظالمهم ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والإمامة تنال بالنص كما يقوله طائفة من أهل السنة في أبي بكر, أو بالإيماء إليه كما يقول آخرون منهم, أو باستخلاف الخليفة آخر بعده كما فعل الصديق بعمر بن الخطاب أو بتركه شورى في جماعة صالحين كذلك كما فعله عمر, أو باجتماع أهل الحل والعقد على مبايعته أو بمبايعته واحد منهم له فيجب التزامها عند الجمهور وحكى على ذلك إمام الحرمين الإجماع. والله أعلم. أو بقهر واحد الناس على طاعته فتجب لئلا يؤدي ذلك إلى الشقاق والاختلاف. وقد نص عليه الشافعي وهل يجب الإشهاد على عقد الإمام ؟ فيه خلاف, فمنهم من قال لا يشترط وقيل بلى ويكفي شاهدان, وقال الجبائي يجب أربعة وعاقد ومعقود له, كما ترك عمر رضي الله عنه الأمر شورى بين ستة فوقع الأمر على عاقد وهو عبد الرحمن بن عوف, ومعقود له وهو عثمان, واستنبط وجوب الأربعة الشهود من الأربعة الباقين وفي هذا نظر, والله أعلم. ويجب أن يكون ذكراً حراً بالغاً عاقلاً مسلماً عدلاً مجتهداً بصيراً خبيراً سليم الأعضاء بالحروب والاَراء قرشياً على الصحيح ولا يشترط الهاشمي ولا المعصوم من الخطأ خلافاً للغلاة الروافض, ولو فسق الإمام هل ينعزل أم لا ؟ فيه خلاف, والصحيح أنه لا ينعزل لقوله عليه الصلاة السلام, «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» وهل له أن يعزل نفسه فيه خلاف, وقد عزل الحسن بن علي رضي الله عنه نفسه وسلم الأمر إلى معاوية لكن هذا لعذر وقد مدح على ذلك, فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام «من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائناً من كان» وهذا قول الجمهور, وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد منهم إمام الحرمين, وقالت الكرامية يجوز اثنان فأكثر كما كان علي و معاوية إمامين واجبي الطاعة, قالوا وإذا جاز بعث نبيين في وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمام لأن النبوة أعلى رتبة بلا خلاف, وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأقاليم بينهما, وتردد إمام الحرمين في ذلك, قلت وهذا يشبه حال الخلفاء بني العباس بالعراق والفاطميين بمصر والأمويين بالمغرب ولنقرر هذا كله في موضع آخر من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. ** وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَآءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـَؤُلآءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاّ مَا عَلّمْتَنَآ إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لّكُمْ إِنِيَ أَعْلَمُ غَيْبَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم وهذا كان بعد سجودهم له,وإنما قدم هذا الفصل على ذلك لمناسبة ما بين المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة حين سألوا عن ذلك, فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون, ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم فقال تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال السدي عمن حدثه عن ابن عباس {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه أسماء ولده إنساناً إنساناً والدواب فقيل: هذا الحمار, هذا الجمل, هذا الفرس, وقال الضحاك عن ابن عباس {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودابة وسماء وأرض وسهل وبحر وخيل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها, وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عاصم بن كليب عن سعيد بن معبد عن ابن عباس {وعلم آدم الأسماء كلها} قال علمه اسم الصحفة والقدر, قال نعم حتى الفسوة والفسية, وقال مجاهد {وعلم آدم الأسماء كلها} قال علمه اسم كل دابة وكل طير وكل شيء, كذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف أنه علمه أسماء كل شيء, وقال الربيع في رواية عن أسماء الملائكة. وقال حميد الشامي أسماء النجوم. وقال عبد الرحمن بن زيد علمه أسماء ذريته كلهم, واختار ابن جرير أنه علمه أسماء الملائكة وأسماء الذرية لأنه قال {ثم عرضهم} وهذا عبارة عما يعقل وهذا الذي رجح به ليس بلازم, فإنه لا ينفي أن يدخل معهم غيرهم, ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب كما قال تعالى {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير} وقد قرأ عبد الله بن مسعود ثم عرضهن, وقرأ أبي بن كعب ثم عرضها أي المسميات. والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها كما قال ابن عباس حتى الفسوة والفسية يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر, ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الاَية في كتاب التفسير من صحيحه: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا, فيقول لست هناكم, ويذكر ذنبه فيستحي. ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتونه فيقول لست هناكم, ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي. فيقول ائتوا خليل الرحمن, فيأتونه فيقول لست هناكم, فيقول ائتوا موسى عبداً كلمه الله وأعطاه التوراة فيقول لست هناكم. فيذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه. فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا محمداً عبداً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع, فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» هكذا ساق البخاري هذا الحديث ههنا, وقد رواه مسلم والنسائي من حديث هشام وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة به, وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة, ووجه إيراده ههنا, والمقصود منه قوله عليه الصلاة والسلام فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء. فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات, ولهذا قال {ثم عرضهم على الملائكة} يعني المسميات كما قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة, قال ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة {فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة {وعلم آدم الأسماء كلها} ثم عرض الخلق على الملائكة, وقال ابن جريج عن مجاهد ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة, وقال ابن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك بن فضالة عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: علمه اسم كل شيء, وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة, وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى: {إن كنتم صادقين} إني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين, وقال الضحاك عن ابن عباس {إن كنتم صادقين} إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة, وقال ال | |
| | | | تفسير الجزء الاول من القرأن الكريم | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |