الذكرى بين القول والعمل
====
ان ذكرى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مستقرة فى نفس كل مؤمن لا تنسى ولا يختص بها زمان دون زمان.
قرن الله بينه وبين اسمه الكريم فى كلمة التوحيد التى يكون بها المرء مسلماً ,
والتى هى الحد الفاصل بين الايمان والكفر (( لا اله الا الله محمد رسول الله )) وجعل المناداة باسمه
جزءاً من الآذان الذى يكرر فى كل يوم خمس مرات بصوت مسموع تتجاوب به المأذن
فى بيوت الله من الصباح الى المساء،ايذاناً بالصلوات المفروضة ،وجمعاً للمسلمين
على عبادة الله ، فيتعارفون ويتحابون ويتعاونون، وانه ليذكر فى التشهد كلما صلى مسلم فرضاً أو نفلاً .
وقد خلد الله ذكره فى كتابه الخالد : ذكره باسمه الصريح ، وذكره بوصف الرسالة
اصطفاء من الله على علم ، وذكره بوصف العبودية لله الواحد ، وذكره بعظمة خلقه ،
وذكره برحمته للمؤمنين ، وبرحمته للناس أجمعين ، وذكره بأنه المزكى للنفوس المعلم للكتاب والحكمة ،
وذكره بالتبشير والانذار ، وبأنه شهيد على أمته ، وبأنه صاحب المقام المحمود ،
وجعل محبته من محبته، وطاعته من طاعته ، وعصيانه من عصيانه .
وهكذا تلمع هذه الذكرى المحببة فى كل موطن من مواطن الاسلام عقيدة وعبادة وقدوة واهتداء
وتفتر عنها ملايين الالسنة والشفاة فى مشارق الارض ومغاربها كلما أذن مؤذن ،
أو أجاب مجيب ، أو صلى مصل أو أمن مؤمن ، أوتلا قارئ أو حدث محدث.
تلك لعمرى هى الذكرى وهذا هو الخلود.
كان ايمان الاولين بهذه الذكرى ، وبصاحب هذه الذكرى عليه السلام ايماناً عملياً ،بالأفعال قبل الأقوال ، بالقلوب والارواح
قبل الصور والأشباح ، بالدماء ، بالأموال، بالأولاد ، بالاهل والعشيرة ، بالمتاع والنعيم ، بكل لون من ألوان التضحية
والايثار والجهاد أمنوا بنبيهم وذكرى نبيهم لا عن طريق الخطب فى تلقى شمائله ، ولا عن طريق الحفلات تطلق فيها الانوار الصناعية ،
وانما امنوا عن طريق اتباعه وإحياء سنته والتحلى بأخلاقه ، واقامة شرعه ودينه ،أمنوا بهذا وعلموا أن الايمان الحق
يثمرالمحبة الصادقة ، وللمحبة الصادقة حقوق وعليها تبعات ، فمن حقوقها المتابعة للمحبوب ، والرضا بما يرضيه ،
والغضب لما يغضبه ، ومن تبعاتها تحمل المشاق والتضحية بأعز شئ فى سبيل الوصول الى رضاه
(( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ))
(( قل ان كان أباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة
تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره ))
هكذا كان شأن المؤمنين الاولين يوم كان الايمان قوياً فى النفوس، تشتعل جذوته
فتلتهب الجوارح ، وتبذل النفوس ، وهكذا كانت الذكرى ماثلة فى كل شئ فى أقوالهم اذا نطقوا
فى حركاتهم اذا تحركوا ، فى سكونهم اذا سكنوا ، فى جميع شئونهم الفردية والاجتماعية ،
السرية والعلنية ، الدنيوية والاخروية ، أساسها هذا النور المبين الذى جاء به محمد
عن ربه ، فكان دستور الحياة ،وينبوع العزة والقوة والسعادة
(( إن هذا القرأن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيراً ))
ظل المسلمون كذلك حتى ضعفوا واستكانوا ، فانطفأ هذا النور فى قلوبهم وأقفرت بصائرهم
من أسراره ،ولم يبق لهم منه الا صورة مرسومة بحروف فى الصحف أو الكتب
يرجعون اليها كلما عاودتهم الذكرى ، وأهل عليهم شهر ربيع.
اكتفوا بذكرى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فى شهر ربيع من كل عام ، كما اكتفى غيرهم ،
وأنه كان على خلق عظيم ، وأن شريعته صالحة لكل زمان ومكان ، وتركوا الاقتداء والتأسى ،
وانحازوا الى شرائع وتقاليد وأخلاق لايعرفها محمد ، وما أنزل الله بها من سلطان ،
فانخفضت رؤوسهم ، والتوت أعناقهم ، وضعف سلطانهم ، وتفرق شملهم ، وتناثرت عزتهم ،
شغلوا بالقول ونسوا أن دينهم ومنبع عظمتهم ومجدهم أساسه الايمان والعمل
(( والعصر ان الانسان لفى خسر الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ))
منقول من كتاب
من توجيهات الاسلام
للامام الاكبر محمود شلتوت
عسى الله أن ينفعنا بها جميعا بها